هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

563: الجنسية اللبنانية ولو في هذه الأيام

الحلقة 563: الجنسية اللبنانية ولو في هذه الأيام
(الأحد 7 كانون الثاني 2007)

حين كنتُ الشهر الماضي في الولايات المتحدة، أخبرني صديقٌ لبنانيٌّ هناك أن ابنته التي كانت أمضت في البلاد مدة كافية تستحق لأجلها الجنسية الأميركية، تقدّمت بطلبها وبُتَّ به وحان موعد المقابلة التقليدية لطالبي الجنسية لكنها سقطت في مادة “تاريخ أميركا” فرسبت في المقابلة وطُلِبَ إليها إعادة درس تاريخ أميركا والتقدُّم مُجدداً للمقابلة حتى إذا نجحت في مادة تاريخ أميركا نجحت في الامتحان ونالت الجنسية الأميركية. وفي هذا دليلٌ واضحٌ على حرص الدولة هناك ألاّ تمنح جنسيتها إلاّ لمن يستحقونها، ومن شروط استحقاق جنسيّتها معرفة تاريخ البلاد التي يتم الانضمام إلى مواطنيَّتها.
بمقابل هذا التشديد الذي يواجهه اللبنانيون للحصول على الجنسية الأخرى، أخبرني رجل علْمٍ لبنانيٌّ مساء أول أمس الجمعة أنه يعيش في بلد أوروبي كبير منذ سنواتٍ بات يحُقُّ له بعدها الحصولُ على جنسية هذا البلد الأوروبي الحضاري.
وحين استشار مُحاميه هناك، نبَّهه المحامي إلى أنه، إذا نال جنسية ذاك البلد الأوروبي، ثمة شرطان: الأول أن يتخلّى عن جنسيته اللبنانية، وتالياً يقدِّم جوازه إلى سلطات ذاك البلد التي توصي السفارة اللبنانية فيه بإتلاف هذا الجواز وتالياً إرسال مذكِّرة إلى الخارجية اللبنانية التي تُحيل الملف إلى مديرية الأحوال الشخصية فتشطب هذا اللبناني من جداول القيد وتالياً لا يعود هذا اللبناني يستطيع الدخول إلى وطنه لبنان إلاّ بالحصول على تأشيرة دخول كأيِّ أجنبي آخر يريد دخول لبنان. والشرط الآخَر أن هذا اللبناني، إذا نال جنسية ذاك البلد الأوروبي، لا يعود يستطيع التخلّي عنها، لأنّ من يحمل تلك الجنسيةَ يوماً حملها مدى الحياة ولا يستطيعُ التخلِّي عنها أو رفضَها أو إعادَتَها حين يشاء، بل يلتزم بها، دون سواها، طوال عمره الباقي.
أمام هذين الشرطين، وخصوصاً أمام الشرط الأول، ترَاجَعَ رجُلُ العلْم اللبنانيُّ عن فكرة تقدُّمه بالطلب للحصول على جنسية ذاك البلد الأوروبي الكبير الذي يعيش فيه، وبادر محاميه ابنَ ذاك البلد قائلاً: “لن أتخلّى عن جنسية وطني ووطن آبائي وأجدادي وأولادي، ولو مقابل أية جنسيةٍ عظيمةٍ في العالم”. وهنا التفتَت زوجته إليه، وهي ابنةُ ذاك البلد الأوروبي، وابتسمَت لزوجها اللبناني معتزّةً به ألاّ يتخلّى عن جنسية بلاده، رغم كل ما تمر به بلاده من منعطف خطير.
في حينَ يشهد لبنان نزوح شبابه وأبنائه إلى الخارج، هرباً من وطنهم إلى أي وطن يلجأون إليه في العالم، بعد الحصول على تأشيرة دخول إليه والبقاءِ فيه ربما للحصول على جنسيته ولو طُلِب منهم التخلي عن جنسيتهم اللبنانية، في حين يجري كلُّ هذا، نرفع تحيةَ تقديرٍ نبيلةً لرجل العلم اللبناني الذي قال لجنسية البلد الأوروبي: “لا”، وعاد إلى بيته هناك، تَهتَزّ طرباً في جيبه أرزةٌ محفورةٌ على جوازه اللبناني.