هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

558: لا أيّ لبنان نريد؟ بل أيّ كيان؟ وأيّة هوية؟

558: لا أَيَّ لبنان نريد؟ بل أيَّ كيان؟ وأيّةَ هوية؟
(الأربعاء 20 كانون الأول 2006)

كلما اشتدَّت الأزمة السياسية بين الأفرقاء في لبنان، يتوحّد بينهم سؤال يجمع في ما بينهم ويفرّق في النِظرة إليه: “أيَّ لبنان نريد”؟ ويروح كل فريق يُجيب عن السؤال من زاوية الفريق الذي ينتمي إليه، حتى يَخرجَ الجوابُ من هنا غيرَه من هناك وغيرَه من هنالك، وتأتي الأجوبة متباعدةً متصادمةً متناطحةً كما قبل السؤال، فنعود إلى نقطة الصفر كأنّ السؤال لم يكن لأن الجواب لم يكن موحَّداً ولا موحِّداً من أيِّ مُجيب.
وعبثاً يواصل السائلون السؤال: “أيَّ لبنانٍ نريد”، لأنهم لن يصلوا إلى جواب واحد وحيد موحَّدٍ وموحِّد. والأجدر بالسؤال وسائليه أن يكون: “أيَّ كيانٍ نريد؟ وأيَّةَ هُوية”، عندها تتوحَّد النِظرة إلى الكيان اللبناني، والى الهُويّة اللبنانية فلا يَخرج عنها إلاّ المتعددو الانتماءات والولاءات والالتزامات الخارجية.
يدّعي الكثيرون إيمانهم بمقولة “لبنان وطن نهائي”، وفي ساعة الصفر يتضح أن لبنان عندهم جزءٌ من وطن أكبر، فكيف يكون لبنانُ لهؤلاء وطناً نهائياً؟ ويدّعي آخرون إيمانهم بمقولة “لبنان أوّلاً”، وفي ساعة الصفر يتّضح أن ولاءهم للبنان ولاءٌ جُزئيٌّ مصلحجيٌّ وفي جُزئه الآخر ولاء لخارج لبنان.
وإذا كان الآن من يبتسمون لمقولة “الكيان اللبناني” معتبرينه كياناً مصطنعاً أو اصطلاحياً، فمعظم كيانات الدول والبلدان اصطلاحيةٌ اتفقت عليها شعوبُها وتَحميها الأمم المتحدة من الاعتداءات والانتهاكات والاختراقات.
وإذا كان الآن من يبتسمون لمقولة “الهُوية اللبنانية” فهُوية لبنان اللبناني لا تعني القوقعة ولا الفينَقة ولا الكنعنة ولا الطائفة ولا المذهب ولا الشوفينية ولا الانعزال، بل تعني الانصهار في عائلة لبنانية كبرى من مكوّنات مختلفة تنصهر في هُويّة واحدة وولاء واحد. فكيف نُقْنِع أيَّ مواطن من أيّ بلدٍ في العالم أن يكون حاملاً هُوية بلدِه ووطنِه ودولتِه، ويَدينُ بالولاء لخارج دولتِه، ويتبنى شرفاً له خارجَ بطاقة الهوية التي يَحملها أو خارج جواز السفر الذي يحمله؟
في رحلتي الأخيرة إلى فلوريدا وميريلاند، الأسبوع الماضي، التقيتُ صديقاً حاز على الجنسية الأميركية مؤخراً، وأخبرني أنه تقدم مرتين ليحوزَها، لأنه في المرة الأُولى نجح في جميع المراحل ورسب في مادة تاريخ أميركا، فأعيد تقدُّمه بعدما درس تاريخ أميركا كي يكون جديراً بحمل الهوية الأميركية وجوازِ السفر الأميركي. ثم حمل جوازه الأميركي الجديد مبتسماً وقال لي: “هذا يحميني”، وأخرج بعده جوازه اللبناني وقال لي: “وهذا يشرّفني”.
هكذا يجب أن يكون المواطن الصالح: ولاؤُه لأرضه الأم، ووفاؤُه للأرض التي استضافته وشرّفته بهويتها.
وأحرى بِمن مثلي لا يحملون إلاّ هُويةً واحدة وجوازَ سفر واحداً، أن يكون لهم ولاءٌ وحيد ووفاءٌ وحيد: للكيان اللبناني لا شبر خارجه، وللهوية اللبنانية لا نظرة خارجها.
وما سوى هكذا نكون جديرين بهذا الشرف: أن يكونَ وطنُنا لبنان.