هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

556: أين العالم اليوم؟ وأين نحن؟

الحلقة 556: أين العالم اليوم؟ وأين نحن؟
(الأربعاء 13 كانون الأول 2006)

على بوَّابات الدخول إلى فرنسا والولايات المتحدة صادفتُ موظَّفين من كل جنس ودينٍ وعرقٍ ولون. كان بينهم الأبيضُ والأفريقي والآسيوي والشرق أقصوي والأوروبي والأميركي، كانوا متحدِّرين من جنسيّاتٍ متعدِّدة وألوانٍ متعدِّدة وأصولٍ متعدِّدة وقومياتٍ متعدِّدة وانتماءاتٍ دينية ومذهبية وطوائف متعدِّدة ، لكنهم جميعاً مصهورون بولاء واحد، بانتماء واحد، بخدمة واحدة هي خدمةُ دولتهم ووطنهم الذي يضمُّهم ويحميهم ويحمونه بكل إخلاص من خلال وظيفة بها يقومون.
على بوابات الدخول في مطارات باريس ونيويورك وأورلندو (فلوريدا) لم أجد شعاراتٍ حزبيةً ولا سياسية ولا تعصبية ولا استفزازية ولا تحريضية ولا دينية ولا تأييدية ولا تهويلية ولا مهرجانية ولا ساحاتية ولا انتمائية إلى دول أخرى.
على بوابات الدخول في مطارات باريس ونيويورك وأورلندو (فلوريدا)، لم أجد صورة لزعيمٍ ولا لسياسي ولا لقائد ولا لرئيس ولا لأحدٍ من أي انتماء ومذهب ودين، ولا حتى لرئيس الدولة الذي قد يكون بين هؤلاء الموظفين مَن هو ضدَّه ولم ينتخبْه ولا يحتمله، لكنّ هيبة الدولة فوق الجميع، حتى فوق الرؤساء أنفسهم.
وبين المسافرين العابرين مطارات باريس ونيويورك وأورلندو (فلوريدا) رأيتُ ناساً من كل مكان في الأرض، من كل جنسٍ ودينٍ وعرقٍ ولون، ورأيتُ بينهم كثيرين يَقرأُون بنهمٍ وعمق، أو يُصغون إلى الموسيقى باسترخاء واتّخاذ، ولم أجدْ بينهم من يمارس الأركيلة وينفُثُها في الفضاء لتلويث الهواء، أو يطقطقُ في مسبحة تضييع الوقت لأن أَصابعه لا تحتمل الكتاب أو المجلة.
بين المسافرين في المطارات، وبين موظفي الأمن والأمن العام والجمارك في المطارات، كنت أَمُرُّ وأتأَمَّل وأرى وأُراقب وأستنتج، ولكن… بين المرور والتأَمُّل والرؤية والمراقبة والاستنتاج، كنتُ أُوجَع للمقارنة بين ما أرى أمامي، وما تركتُه في بلادي من ساحات واستفزازات وخطابات ومواقف حادة وصوَر ورايات وشعارات وشعائر ومهرجانات واعتصامات وحشود تعييش “بالروح بالدم” وقطعان مستسلمين ومستزلمين ومهيّصين غريزياً وهاتفين باسم هذا وصورة ذاك وشخصانية ذلك من السياسيين، فانعصر قلبي لما أجده في شعبي من ضياعٍ يشدُّ به إلى التخلُّف، وأنا أعرف أن شعبي ليس هذا، وليست هذه طبيعتَه، فألعن كلَّ مَن جرّ شعبي إلى هذه الصورة التي يراها العالم ويهزُّ برأسه أسفاً وشفقةً وحسرةً على شعبٍ مشلَّعٍ طوائف وشعائر وانتماءات.
بين مطارٍ ومطار، رأيتُ شعباً متعدِّد الأعراق والأجناس والألوان والأصول والجذور والطوائف والمذاهب، متعدِّدَها لكنه موحَّدُ الولاء الواحد لدولة واحدة ووطن واحد يحافظون عليه ولا يُلصقون بِهُويّته أيةَ هُوية أو صفة أو قومية أخرى.
الوجع من الخارج كبير، لِمن يرى الناس في الخارج أين هم وأين صاروا، ويرى ما تَمُرُّ به اليوم بلادي.
كنتم معي من أورلندو (فلوريدا). إليكم بيروت.