هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

549: طبعات ساحة النجمة وانطباعات مواطن عادي

549: طبعات ساحة النجمة وانطباعات مواطن عادي
(الأحد 12 تشرين الثاني 2006)

مساء أمس التقيتُ صديقاً شديد التحزُّب موهوب الاصطفاف مغسول الدماغ انتصاراً لأحد السياسيين وحزبه وآرائه ومواقفه، فاستهجن ما جاء في الحلقة الماضية من “نقطة عَ الحرف” (الأربعاء الماضي) حول الإهمال اللاحق بالطرقات والكهرباء والمياه والقطاعات الزراعية والصناعية والسياحية، وانصراف الناس جميعاً لمتابعة جلسات التشاور والحوار، وقال إن كل شيء متوقف بانتظار ما ستُسفر عنه جلسات ساحة النجمة، وكل ما عداها مؤجل و”مش وقتو”.
وعبثاً حاولتُ إفهام هذا الصديق أنني أحترم انتماءه السياسي وكلَّ انتماء سياسي بقَضِّه وقضيضه، فظلَّ مُصراً على أننا اليوم في منعطف خطير وكل شيء مؤجل بانتظار نتائج جلسات ساحة النجمة وتصاريح نجوم ساحة النجمة.
بعد هذا العناد في العمى والتعامي، فهمتُ أكثرَ كيف تقوم شعبية معظم السياسيين وكيف يراهم محاسيبهم بعين واحدة فلا يرون سواهم ولا يسمعون سواهم، وكلُّ فئة من هؤلاء المحاسيب تعتبر أن زعيمها وحده على حق في مواقفه وتحالفاته.
عال. لا أُريد الدخول في هذا الجدل العقيم، فلكلٍ رأيُه وأحترم رأيَ الكل. لكنني أعود إلى الردح الأكبر من الشعب، وهو هو الذي يَهُمُّني دائماً في كتاباتي، وهو الأكثرية الحقيقية اللامنتمية إلى هذا ولا إلى ذاك ولا ذلك من السياسيين، أكثريةُ المواطن العادي الذي ينظر إلى بيته وأسرته ومصنعه وأرضه ومصلحته المهنية ووظيفته ومستقبل أولاده.
المواطنُ العادي الذي يتابع ما يجري ويجد نفسه مهمّشاً وكلُّ ما في الدولة مجمّد مقزّز مثلّجٌ مؤجَّل بانتظار نتائج الحوار والنقاش والتشاور ومن يرضى ومن يزعل ومن يحرد ومن يزايد ومن يعلّي السقف ومَن يجيب مَن في “التوك شُو”ات السياسية.
المواطنُ العادي الذي يتابع تصاريح الوزراء ونادراً ما يجد واحداً منهم يتحدث عن وزارته وشؤون وزارته وشؤون الناس التابعةِ وزارتَه، بل جميعهم، من جميع الوزارات، لا يتحدثون إلاّ في السياسة والوضع والتحالفات والاصطفافات، فيسأل المواطن العادي: “ونحن؟ وشؤوننا؟ ومعاملاتنا في الوزارات؟ من يديرها ويوقع معاملاتها بانتظار نتائج الحوار والتشاور”؟
المواطن العادي الذي لم تعُد تَهُمُّهُ جلسات حوار وتشاور، بل تَهُمُّه لقمة الخبز لأولاده، والتفات المسؤولين إلى حاجات أرضه الزراعية أو مصنعِه أو مرفقِه السياحي أو الفندقي، ومستقبل أولاده الذي يكبرون وتكبَر معهم رغبة الهرب من هذه البلاد ومن يديرها ومن يسوسها ومن يتجاذبون فيها الحكم والقرار والمواقف والتصاريح والتهديدات.
المواطنُ العادي الذي يطلب طريقاً مزفّتاً لسيارته، وكهرباء عادية لبيته، وفرصة عمل له أو لأولاده، وتنظيماً مُمنهجاً لتسيير شؤون المواطنين في إدارات الدولة التي باتت مُجمّدةً مشلولةً مؤجّلة بانتظار جلسات التشاور والحوار.
المواطنُ العادي الذي بلغ به القرف أن لم يعُد يشاهدُ مساءً في التلفزيون إلاّ أفلامَ… الصور المتحركة.