هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

545: أفضل وقت للقراءة: أثناء قيادة السيارة

الحلقة 545 : أفضل وقت للقراءة: أثناء قيادة السيارة
(الأحد 29 تشرين الأول 2006)

بعد حلقة الأربعاء الماضي من “نقطة على الحرف” (وكان فيها نقد قاسٍ لضآلة القراءة عندنا، بإزاء ما نشهده من إقبال على القراءة وبرامج الكتب في التلفزيونات الأجنبية، وبإزاء أرقام وإحصاءات من منظمة الأونسكو دلت على أن كل300 ألف عربي يقرأون كتاباً واحداً) التقيتُ يومها عالم الجينات اللبناني الدكتور بيار زلوعة (صاحب المكتشفات العلمية التي ظهرت في المجلة العلمية الواسعة الانتشار “ناشيونال جيوغرافيك”) وتداولنا حول ضحالة القراءة في لبنان (كسَلاً أو ضيق وقت) ففاجأني بأن دعاني إلى سيارته وأراني فيها “سي.دي”يات لم تكن أُسطواناتِ موسيقى ولا أغنيات بل أسطواناتٍ بالإنكليزية فيها نصوص كتب كاملة بإلقاء رصين وبدون أية موسيقى مصاحبة، من إنتاج شركات أُسطوانات أميركية. استفزَّني الموضوع فاستفهمتُ منه عما تمكَّن من قراءةِ (بل من سماعِ) الكتب وهو يقود سيارته كلَّ يوم ويُمضي ساعاتٍ مطاطةً في زحمة السير اليومية بين بيته ومستشفاه، فأجابني بأنه قرأ العشرات منها حتى اليوم، منذ بدأ يشتري تلك الأسطوانات المدمجة من بيروت، بينها رواية “أنّا كارينينا” (20 أُسطوانة)، “الإلياذة” و”الأوديسيه” (40 أُسطوانة)، “جمهورية” أفلاطون مع شروح وتعليقات (8 أُسطوانات)، “تاريخ الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية” (40 أُسطوانة)، “سيرة الإسكندر الكبير” (15 أُسطوانة)، 1776 (تاريخ إنشاء الولايات المتحدة للمؤرخ ماك لآلِن – 6 أُسطوانات).
وفي حساب سريع أمامي تبين لي أن الدكتور بيار زلوعة، في التي سماها لي فقط من الكتب، قرأ بسمعه وهو يقود سيارته، نحو 175 ساعة (إذا اعتبرنا الأسطوانة الواحدة تتسع لثمانين دقيقة معدلاً وسطياً). فخطر في بالي: ماذا يسمع اللبنانيون خلال مئة وسبعين ساعة وهم في سياراتهم؟ ولم أجد إلاّ أنهم يسمعون برامجَ “توك شو” سياسية، أو أغنياتٍ من تلك المعروف مستواها، وبرامجَ إذاعيةً معظمُها تسلويّ وقليلها ذو علاقة بالثقافة الحقة.
فتأمّلوا معي الفرق بين جمهورِ لبنان، وجمهورٍ آخَر في العالم يصغي إلى أسطوانات كتب يشتريها مئات الآلاف ممن يمضون وقتاً طويلاً في سياراتهم، عوض أن يستمتعوا بخطابات “بيت بو سياسة” أو تصاريحِهم أو أخبارِهم في نشرات الأخبار، يصغون إلى كتاب أدبي أو مسرحية أو رواية أو بحث، فيعوّضون في ساعات السيارة عن أوقات قد لا تكون لديهم لقضاء ساعات طويلة في قراءة الكتاب المطبوع.
ولن أتجاسرَ فأسألَ محل بيع الأسطوانات عن عدد اللبنانيين الذين، مثل بيار زلوعة، يشترون أُسطوانات الكتب، خوف أن أُصدَم وأَصدُمَكم بجوابٍ ربما تعرفونه لأنكم تسمعون حولكم في زحمات السير اليومية عندنا ماذا يسمع اللبنانيون داخل سياراتهم في هذه الأيام الأُمِّيَّة.