هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

543: … ومتى للبنان أميرُهُ الصغير؟

الحلقة 543: … ومتى للبنان أميرُهُ الصغير؟
(الأحد 22 تشرين الأول 2006)

بين أنباء مشرقةٍ تصلُنا من الغرب، أنّ فرنسا هذه الأيام (بالإذن من المعترضين على سياسة فرنسا) غارقة إلى آخر فرنسي فيها في الاحتفال بمرور ستين عاماً على صدور “الأمير الصغير”، رائعة الكاتب والطيار أنطوان دو سانت إكزوپِّري، الرواية التي، منذ صدورها سنة 1946 ما زالت تصدر في لغات وترجمات بلغت حتى اليوم مئة وستين ترجمة وما مجموعُه نحو ثمانين مليون نسخة، وهي الرواية الثانية مبيعاً في فرنسا بعد رواية فيكتور هوغو “البؤساء”.
وعن الأخبار أيضاً من فرنسا (وأيضاً بالإذن من المعترضين على سياسة فرنسا) أن مدارسها هذه الأيام تقوم بحملة توعية وتثقيف وبرامج خاصة عن سانت إكزوپِّري كي يتعرفوا إليه أوسع. وأكثر: تقيم شركة طيران فرنسيةٌ خاصةٌ رحلاتٍ خاصةً في منطادٍ هوائيٍّ للأطفال من سن السابعة إلى سن الثانية عشرة، يتجوّلون فيه فوق باريس، ويستذكرون سانت إكزوپِّري الذي كان طياراً إلى كونه كاتباً، فلن ينسَوا بعد رحلتهم الهانئة هذه أنهم طاروا فوق باريس في ذكرى “الأمير الصغير” وكاتبهم الفرنسي الوطني أنطوان دو سانت إكزوپِّري.
هكذا الدول الكبرى (وأيضاً وأيضاً بالإذن من المعترضين على سياسة فرنسا) تحتفل بعظمائها وتشرك شعبها كباراً وتلامذةً وطلاباً في الاحتفال بعظمائها لترسيخهم في الذاكرة الوطنية الشعبية لأن عظماء الوطن مناراتُه التي لا تطفئها الأيام.
هذا في فرنسا. ونحن؟ ماذا عندنا نحن؟ بمَ يهتمّ شعبنا هذه الأيام؟ وأيَّ عظيم تقدم مدارسُنا لتلامذتها كي يحتفلوا بيوبيله أو بذكراه؟ وأيّةُ روايةٍ لبنانية واعيةٌ لها الدولة كي تحتفل بمرور سنوات معينة على صدورها؟
ماذا عندنا نحن؟ “توك شُو”ات ع مد النظر، ما بينشبع منها سهرات عقيمة على التلفزيونات. وماذا فيها هذه الـ”توك شُو”ات؟ تصايُحات ومجادلات ومناقشات من عباقرة السياسة عندنا، لا هُم ملُّوا من الكلام ولا شعبُنا ملّ متابعتَهم من شاشة إلى شاشة ومن تلفزيون إلى تلفزيون ومن خطاب إلى خطاب ومن ساحة إلى ساحة ومن مهرجان إلى مهرجان.
بلى: تسيّس شعبنا حتى فسُد، فلم تعُد له متابعاتٌ إلا بالسياسة، ولم تعُد له اهتماماتٌ ولا أحاديثُ ولا مناقشاتٌ إلاّ بأقطاب السياسة عندنا، فإذا بالناس عندنا يتشيّعون لهذا، ويتطيّفون لذاك، ويتحزّبون لذلك، وأكثر هؤلاء الـ”هذا” والـ”ذاك” والـ”ذلك” من السياسيين، لن يبقى منهم أثر يخلّدهم بعد أن يغادروا هذه الفانية، فلا واحدٌ منهم ترك أثراً إبداعياً سيذكره تاريخ لبنان في سنوات مقبلة.
ستون عاماً على صدور “الأمير الصغير” في فرنسا، وكل فرنسا تحتفل. وشعبنا غارقٌ في متابعة السياسة والسياسيين.
فمتى شعبُنا يُعرض عن الزبد الزائل ويغوص على اللؤلؤ الخالد؟
ومتى… متى يحتفل لبنان بأميره الصغير؟