هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

537: كي لا يظلّ وطناً ساحة

الحلقة 537: كي لا يظلَّ وطناً ساحة
(الأحد أول تشرين الأول 2006)

مرَّتين هذا الأسبوع (أُولى مع أوَّلِه في ستراسبور، والأُخرى مع آخِرِه في السراي الكبير) شدّد الرئيس فؤاد السنيورة على ضرورة ألاّ يعود لبنان “الوطن الساحة”، وشرحها بألاّ يبقى “ساحةً للصراعات الخارجية أو لتصفية الحسابات”.
ومع كامل ثقتنا بطوباوية فؤاد السنيورة، الآتي إلى الحكم من ميراث عائلي عريق، وإرث لبناني عبيق، ومع كامل إيماننا بإيمانه لبناء الدولة الديمقراطية القوية القادرة، الحاميةِ بمفردها مواطنيها، والجامعةِ أبناءها على نهائية الوطن من دون شروط على الوطن ولا شروط على الدولة، ومع كامل قناعتنا معه بأنّ الأخطار على الوطن لا تأتي من الخارج وحسب بل من الانقسام الداخلي، وبأنّ للوطن أقانيم ثلاثة هي: الثقة والمسؤولية وبناء المستقبل، وأنّ له جناحين هما: لبنان الوطن ولبنان الدولة، وأنّ له عنواناً واحداً هو لبنان السيّد القرار حرباً وسلماً وتحالفات ومقاطعات، نظل نخشى على طوباوية السنيورة من حرباوية الذئاب.
لا يكفي أن يبشّر رئيس الحكومة وحده بما يردده دائماً، بل يجب أن نكون جميعنا حدَّه ونؤازرَه، ويجب على القوى السياسية الممسكة بالأرض أن تقتنع هي أولاً، وبأن تقود قاعدتها الشعبية نحو فردانية الوطن لا شخصانية الأشخاص: فردانية ما يجب أن يكونه الوطن لا شخصانية ما يكونه السياسيون.
وحده هذا الواقع، ببشارة رئيس الحكومة وتنفيذ السياسيين، يعيد إلينا أبناءنا من الخارج، حين يقتنعون بأن وطنهم لم يعُد ساحة للآخرين من القوى السياسية والحزبية والإقليمية والعربية والدولية، ولم يعُد ساحةً لبيت بو سياسة من اللبنانيين المحليين المنساقين للخارج أو المنسابين بالداخل ويتّخذون في ساحة الوطن متاريس سياسية للقصف والقصف المضادّ، ويعود أبناؤنا من الخارج حين يقتنعون بأنّ أبناء وطنهم لم يعودوا دُمىً بين أيدي السياسيين أعداداً للتظاهر، ولا أرقاماً للمهرجانات، ولا أغناماً للتهييص والتصفيق والاصطفافات وراء زعمائهم عوض الاصطفاف وراء العلم اللبناني ومَن مِن السياسيين يعمل لنصاعة العلم اللبناني دون سواه من البيارق والأعلام واليافطات والشعارات والصرخات الغرائزية التحريضية بين مع وبين ضدّ وبين تضييف الساحة اللبنانية ساحةً لتصفية حسابات الخارج بدروع بشرية لبنانية، أو لتصفية حسابات الداخل بدروع بشرية لبنانية.
“ماذا يفيد إن ربحت العالم وخسرت نفسك”؟ قال الرئيس السنيورة نقلاً عن قول السيد المسيح؟ صحيح. ولكنّ الملِحّ اليوم أكثر: ماذا يفيدكَ أن تضيّفَ وطنكَ ساحةً يستغلُّها بك الآخرون، فلا تربح الآخرين لأنك وسيلة، وتخسر وطنك وهو الغاية، وبين الوسيلة والغاية يضيع الوطن: ساحةً هجرها أبناؤُها أو هُجِّروا منها فلا يعود الوطن سوى ساحةٍ للبوم والغربان.