هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

532: تدريس العربية باللغة الأجنبية

الحلقة 532: تدريس العربية باللغة الأجنبية
(الأربعاء 13 أيلول 2006)

مع قُرب افتتاح الموسم الدراسي الجديد، تلفت ظاهرةٌ غريبةٌ طريفة وعجيبة يعاينها أطفالنا في البيت مع أهاليهم، ونقول في البيت لأننا نشك أن تكون هكذا في صفوف المدارس لكونها قطعاً ضد كل طريقة تربوية.
هذه الظاهرة هي تدريسُ الأطفال اللغةَ العربية بشرحها في اللغة الأجنبية التي يُخاطب بها الأهل أطفالهم في البيت، حتى لتغدو اللغةُ العربية المكتوبة لغةً أجنبية بعيدة عنهم وعن لسانهم وعن منطق تفكيرهم، فيزداد اغترابهم عن اللغة العربية ويزداد كرههم إياها واعتبارُهم الدرس العربي أو الفرض العربي عذاباً لهم وقصاصاً وعقوبةً مزهقةً يعبرون بالأجنبية عن سخطهم عليها.
كيف نفهم أن تطلب الأم من طفلها، بلغة أجنبية، كتابة كلمة بالعربية، أو عبارة بالعربية، أو تشرح له بالأجنبية معنى كلمة بالعربية، لأنه لن يفهم معناها إذا شرحتها له باللبنانية المحكية.
من الصدْع الذي في ذهن أطفالنا أنهم يتعاملون مع لغتين: أولى محكية لبنانية يتكلمونها، والأُخرى مكتوبة عربية لا يتكلمونها بل يكتبونها. فكيف إذا كان الأهل لا يكلمون أطفالهم في البيت إلا بالأجنبية فيُبعِدونهم أكثر فأكثر عن اللغتين معاً: المحكية اللبنانية والعربية المكتوبة.
طبعاً ليست هذه دعوةً إلى التخلّي عن اللغات الأجنبية التي هي ثروةٌ لأطفالنا ضروريةٌ لحياتهم المستقبلية، لكننا لا نفهم ألاّ يتحدَّث الأهل مع أطفالهم في البيت إلا بالأجنبية، حتى يزدادَ اغتراب الأطفال عن لغتهم الأم: وهي اللبنانية، وعن لغة تعاملهم مستقبلاً: وهي العربية، فيكبرون في غربةٍ عن محيطهم متأجنبين وهم في قلب بيتهم ومحيطهم ووطنهم.
“وطن الإنسان لغتُه”، تقول المعادلة الفلسفية. وهي صحيحة وتُعمِّق في الطفل انتسابَهُ إلى بيته ومحيطه ومجتمعه ووطنه. وبمقدار ما نشجِّع الأهل على تغذية أطفالهم باللغات الأجنبية الرئيسة، نرى من الخطورة على الأطفال أن يشرحوا لهم بالأجنبية فروضَ العربية ودروسَ العربية وكتابة العربية، لأنهم بذلك يعمِّقون الغربة بينهم وبين هذه اللغة، فيكبَرُ الأطفال وهم على ركاكة بالعربية ويكرهونها لأنها بعيدةٌ عنهم وتعيقهم عن تحصيل علامات عالية بها، فيكبَرُ الاغتراب عنها ويكبَر اغترابُهم عن محيطهم حالياً ومجتمعهم مستقبلاً، ولا أظن من يرى من التباهي أن يكون ضعيفاً بالعربية كأنه أجنبي في بيته ومحيطه ومجتمعه ووطنه.
نصرّ على أن يكبَر أطفالنا وتكبَر معهم اللغات الأجنبية الضرورية، إنما فليتفضل الأهالي الكرام بمخاطبة أطفالهم في البيت باللبنانية، لغتِهم المحكية الأُم، وبها، لا بالأجنبية، فليشرحوا لأطفالهم الكلمات العربية المكتوبة في فروضهم، كي لا يكبَرَ الأطفال في غربة عن لسانهم، وتالياً في غربة عن محيطهم ومجتمعهم، والأخطر في غربة عن وطنهم، وهذه الغربةُ خسارةٌ لا تعوّض.