هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

525: “لا” للتعاطف “نعم” للتضامن

الحلقة 525 : “لا” للتعاطف “نعم” للتضامن
(الأحد 20 آب 2006)

تكاثرت خلال حرب تموز الماضي، من الدول الصديقة والقريبة والبعيدة، مبادرات الدعم والمساعدة، عينياً أو لوجستياً أو حتى مادياً. وهي طبعاً مشكورةٌ على المبادرة، بعضُها إيماناً بدور لبنان، وبعضها الآخر مساعدةً على الترميم والإعمار.
ومشكورةٌ أكثر: مبادرات مَحليةٌ من لبنانيين كبار أعلنوا عن دعمهم المالي الشخصي لبناء جسور أو ترميم طرقات، وهي مبادرات نتمنى أن تتكاثر من الداخل ومن عالم الانتشار، لأن هذا وقتها المُلِحّ، ولأن هذا دور المواطَنة الحقيقية حين ينوجع الوطن، أرضاً وشعباً ومُمتلكات، أن يبادر المقتدرون من أبنائه لا على إبراز فضلهم بل على ردّ فضل سخا به عليهم لبنان في مراحل هناءته وفورته الفريدة في مُحيطه.
ومشكورةٌ كذلك مبادرات فنانين عرب لم يتركوا وسيلةً إعلامية إلاّ أعلنوا فيها عن تبرعهم بريع حفلاتهم لشعب لبنان، ودعم عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان، ومعظمهم سطع نجمه انطلاقاً من حياة لبنان الطبيعية وجمهور لبنان ووسائله الإعلامية لتشُعّ من لبنان شهرتهم على جمهورهم العريض.
غير أنّ ما يتناهى إلينا، وخصوصاً من المبادرات الخارجية، الدولية الرسمية أو الفنية العربية، جُنوحُ البعض منها إلى استخدام عبارة “التضامن والتعاطف” مع الشعب اللبناني، وما يستتبع ذلك من نعوتٍ وأوصافٍ تصوّر شعب لبنان كأنه في مجاعة، كأنه في كارثة بيئية، كأنه في عَوَزٍ فاجع، كأنه في حالة جوعٍ أو مأْساةٍ تتطلب استدرار عطف العالم عليه.
نكرر: مشكورةٌ تلك المبادرات، وقد لا تكون في كلمة “التعاطف” المستخدمة نية الإشفاق على الشعب اللبناني، لكننا ننبّه إلى أنّ وقعها في غير مكانه على الشعب اللبناني الذي ما إن توقفت آلة التدمير الإسرائيلية حتى انتفض من مخابئه المؤقتة وعاد سريعاً إلى قراه وضياعه والمدن، مصمماً على البقاء فيها وترميمها وإعادة بنائها، مدعوماً من جهاتٍ معنيّةٍ تَخصُّه مباشرةً وأعلنت له دعمها الفوري النبيل، أو مدعوماً مما سيأتيه لاحقاً من مساعدات عن طريق الدولة أو المؤسسات المختلفة.
التضامن مع شعب لبنان؟ نعم. لأن شعب لبنان المتضامن مع الشعوب الشقيقة والقريبة والبعيدة، يستحق ردّ الفضل والوفاء. أما التعاطف والعطف والإشفاق والتبرع الفني الإعلامي، فعبارات لا تنطبق على شعب لبنان الأنوف الذي لم يطلب إشفاقاً من أحد طوال سبعة عشر عاماً من حرب الآخرين على أرضه، واحتمل الحرب وعاد ينشب إلى إعمار لبنانٍ أجمل، ولبنانٍ أقوى طرد المحتلين من معظم جنوبه عام 2000، وما زال عنيداً حتى اليوم كي يحرر آخر شبرٍ من أرضه المقدسة.
مشكورةٌ جميع مبادرات التضامن، لأنها ردُّ وفاء لبنان. أما مبادرات العطف والتعاطف فلا تشبه لبنان الذي شعبُه شعبُ العصف لا العطف، والتلاطف لا التعاطف، شعبُ العصر الذي سجّل للتاريخ الحديث قوة احتمال وشجاعةٍ وصمود ومقاومة بدأت تتعمَّم على شعوب المنطقة فتتعلّمُ كيف “تَـتَـلَـبْـنَـن” كي تصون أرضها وعنفوان الكرامة.