هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

524: كي لا تكون هدنة بين حربين

524: كي لا تكونَ هدنةً بين حربين
(الأربعاء 16 آب 2006)

المشهدُ اللافت صباح الاثنين أول أمس: قلقٌ وترقُّبٌ وحذر. القلق من التفكير سلبياً، الترقّب كي لا يكونَ التفكير إيجابياً طوباوياً، والحذر من الخيبة المرة التي عوَّدتناها التجارب.
وبين وقف إطلاق النار ووقف إطلاق الخوف، كانت المسافة على الحدّ الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم.
غير أنّ إرادةً واحدةً هي الـوَحدها تنقِذ من كل ضياع: الانتماء إلى لبنان. لن ينقذنا من ضياع لبنان إلاّ الانتماءُ إلى لبنان اللبناني، وما سوى إلى لبنان، والتشبُّثُ بالانتماء إلى لبنان لا قولاً تنظيرياً ولا إيديولوجيا تنظيميةً بل إيماناً بالوطن الدولة لا بالوطن الأشخاص، إيماناً بأن المسؤولين خُدّامُ الشعب وكفى شعبَنا خنوعُه على أعتاب المسؤولين استسلاماً واستزلاماً ومَحسوبيات.
عن السفير فؤاد الترك أن الفارق بين رجل السياسة ورجل الدولة هو التالي: “رجل السياسة يتصرَّف وكأن الدولة ملْكٌ له بأشخاصها وطاقاتها، ورجل الدولة يتصرَّف وكأنه هو ملك الدولة بشخصه وطاقاته. رجل السياسة يعمل للانتخابات المقبلة، ورجل الدولة يعمل للأجيال المقبلة”.
ويا حبذا لو مقولة فؤاد الترك تتعمَّم اليوم فيما لبنان يصحو من أسوإ كابوس في هذا العصر، والناس ينظرون إلى ما جرى ويسألون ويتساءلون ويسائلون، والعبارة واحدة: “صار الذي صار، ووقع كل هذا الدمار، ولكن: ماذا بعد؟ ومَن بعد للخروج من هذا الدمار إلى عمار لبنان الثقة قبل عمار الدمار”؟
وهذه الـ”مَن بعد” أخطر من تلك الـ”ماذا بعد”؟ الـ”ماذا بعد” معروفة: بناء ما تهدّم. غير المعروف بعد: “مَن بعد”؟ وبهذه الـ”مَن” ليس المقصود الأشخاص بل الكفاءات، وليس المقصود معظم هذا الطقم السياسي الذي منذ نصف قرنٍ أوصلَنا إلى هنا بأشخاصه وأبنائِهم وأحفادهم ومحاسيبهم، بل المقصود شلةٌ جديدةٌ من المهيَّإين لتسلُّم القيادة مع بعض “كبار المتنوّرين من المخلصين الخبراء” غيرِ المرتهَنين لأحدٍ من “بيت بو سياسة”، شلةٌ لا تتطلّع إلى خارج لبنان، ولا تدين بالولاء لخارج لبنان، ولا تسدد فواتير سياسية لخارج لبنان، وتؤمن أنّ في الجيل الجديد من لبنان طاقاتٍ تتفوّق في الخارج فلم لا تتفوق في لبنان؟
سرَى وقف إطلاق النار؟ فَلْيَسْرِ منذ اليوم وقفُ إطلاق الخوف. وليخرجْ لبنان الجديد جديداً في إيمان قادةٍ جدُدٍ بلبنان اللبناني أولاً وأخيراً وبين بين، له الوفاء وله الولاء، ليس فيه سلْم أهلي بل فيه سلام لبنان، لبنان المنارة الإبداعية التي تثير حقد الأعداء وحسد الأقربين والأبعدين، لبنان الذي لا يحكمه التوافق ولا التنافق بل الترافق في القرار والمصير، لبنان الذي لا يقوم على التسوية المؤقتة القائمة بل على التقوية الدائمة والحل النهائي، لأن التسوية، كما يقول أيضاً وأيضاً السفير فؤاد الترك، ليست سوى… “هدنةٍ بين حربين”.