هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

515: … ولبنان مصلوب بينهما

الحلقة 515 : … ولبنان مصلوبٌ بينهما
(الأحد 16 تموز 2006)

فوق منطق الهول، هذا الذي يجري. فوق وحشية هولاكو وخراب التتر والمغول.
بعد لبنانَ الواحةِ الضوء، ها هو لبنانُ سدومُ النار والدخان والرماد والدمار من جديد.
أيُّ كابوسٍ دون الوصف: منظَرُ جُسُورٍ مهدّمة، ومطار مهشم، ومدنٍ وقرىً مزروعةٍ حُفَراً ومروِّعات وشهداء وضحايا وجرحى ومشوّهين، وبلدٍ بكامله محاصَرٍ براً وبحراً وجواً وبشَراً وبارقة مستقبَل!
أيُّ ثمنٍ يدفع لبنان بين شدقَين فاغرين: دولةٍ في جنوبه لا يعترف بها، ودولةٍ في شماله والشرق لا تعترف به!
في الفصحيات ترتيلة فاجعية تقول: “واحبيبي، واحبيبي، أيُّ حالٍ أنتَ فيه”! واليوم، لبنان المقيم ينوء تحت القصف ووسط الرعب وفوق الدمار وبين فكّين فاغرَين، ولبنان المنتشر في العالم يئنُّ بين الحزن والغضب: “واحبيبي، واحبيبي، أيُّ حالٍ أنتَ فيه”؟
أَيكون مصيرُ لبنان أن يظلَّ سدومَ الشرق الأوسط، يأتيه الكبريتُ من الجوار فلا يشتعل الكبريت إلاّ على أرضنا، ولا تتفجر الحمم إلاّ على أرضنا، ولا تسقط صواعق الموت إلاّ على شعبنا أطفالاً وشيوخاً وتهجير شباب؟
شدقان فاغران، واحد لا نعترف به والآخر لا يعترف بنا، وكلاهما يلتقي على مراهنة وحيدة: تفتيت لبنان من الداخل كي يسهُلَ قضمُه أو تركيعُه. غير أن هذا الرهان لم يمر، ولا يمر، ولنجرؤ أن نقول: لن يمر.
ولنبقَ حزمةً واحدة. لا تنقسم ولا تتفكّك. في الحوارات الداخلية نتناقش، تختلف بيننا الآراء، نصطدم، نتصالح، نتفاهم، وهي لعبتُنا الديمقراطية التي نتميَّز بها عن دول المحيط والجوار. أما عند هجوم الغول من الخارج، فلنقف كلُّنا في وجه الغول، كي نَصُدَّه بموقفٍ لنا موحَّدٍ لا وقت معه للتضييع في نقاش أو جدال.
وِقفةٌ واحدةٌ فلتجمعْنا، في صدّ الغول وفي حماية المستقبل. طبعاً نفرّق بين الشقيق والعدو، ولا نخلط أبداً بينهما، ولا نساوي أبداً في النِظرة إليهما. غير أن المطامع، سياسِيَّها والعسكريّ، توحّدت عند سور بلادنا، فلنجتمعْ كلُّنا عند السور، كي لا ينهدمَ فيهدمَ معه أسوارَ منطقةٍ مترجحةٍ على بركانٍ من كبريتٍ ونار، لن تَخمُدَ نارُهُ إذا انفجرَت، ولن ينفَدَ كبريتُهُ إذا اشتعل.
فلنتوحّد في لبنانيتنا، ولنتمسكْ بلبنانيتنا قبل أيِّ انتماء آخر. كفى لبنان صلباً على جلجلة القوميات والأُمَميات والإيديولوجيات والانتماءات شرقاً وغرباً، فلن يُنْزِلَنا عن هذه الجلجلة القاسية إلاّ إيمانٌ واحدٌ بانتماءٍ واحدٍ إلى أرضٍ واحدة وولاءٍ واحد للبنانَ اللبناني أولاً وأخيراً وبين بين، وإلاّ فسنبقى على جلجلةٍ بين شدقَين: سياسي وعسكري، وسيبقى لبنان معلقاً على الصليب بينهما، غيرَ عارفٍ متى سيكون يومُهُ الثالث.