هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

509: الثلاثون… والاحتفال الحضاري

509: الثلاثون… والاحتفال الحضاري
(الأحد 25 حزيران 2006)

كان يُمكن أن يكون الاحتفال ضخماً، شعبياً، إعلامياً، فولكلورياً، مطنطناً، في قاعة الأونسكو، مثلاً، باستيعابها 1250 مقعداً، وأن يكون الحشد كبيراً يتصدّره نجوم “بيت بو سياسة” في الصف الأول وكبار الـVIPs في الصفين الثاني والثالث، وأن تكونَ على بطاقة الدعوة لائحة طويلة من الخطباء المفروض أن يمتطوا المنبر، ويروحوا يتبارون، شعراً ونثراً يتبارون، في المديح وَكَيْل الصفات التفخيمية التقريظية لمناسبة بلوغ “صوت لبنان” عامَها الثلاثين.
لكنّ كل هذا لم يحصل. ولن. كان القرارُ واضحاً كالحقيقة، بسيطاً كسوسنة جميلة، ساطعاً كالصحّ، حضارياً كما يليق بإذاعة حضارية: يكون الاحتفال بأمسيتين لا خُطَبَ فيهما ولا محاضرات بأية لغة، بل هما أمسيتان باللغة التي لا لغة أسمى منها ولا أعمّ: الموسيقى، تُحييهما فرقتا الكونسرفاتوار الوطني اللبناني: أمسية تُحييها الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية على مسرح أوديتوريوم بيار أبو خاطر – حرم الآداب والعلوم الإنسانية التابع للجامعة اليسوعية على طريق الشام، الثامنة مساء الأربعاء 12 تموز المقبل، والأمسية التالية في اليوم التالي، تحييها الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية في كنيسة القديس يوسف- حرم الجامعة اليسوعية شارع مونو، الثامنة والنصف مساء الخميس 13 تموز المقبل.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقدته الإذاعة للإعلان عن احتفالات الثلاثين، قال رئيس الكونسرفاتوار الدكتور وليد غلمية إن شبهاً كبيراً حاصلٌ بين الأوركسترا وانضباطها وإيقاعها وإذاعة “صوت لبنان” وانضباطها وإيقاعها.
هوذا حدثٌ حضاريٌّ راقٍ: ثلاثون الإذاعة التي هي “الإذاعة” (كما سماها نقيب الصحافة محمد البعلبكي)، يقابله احتفال حضاريٌّ راقٍ: أمسيتان موسيقيتان من الفرقتين الموسيقيتين اللتين نعتز بهما اعتزازنا بلبنان الحضاري.
الشاهد من كل هذا الكلام، لا التنويه بالإذاعة، فهي تخطته ميدانياً، ولا التنويه بأوركسترانا الوطنية فهي تجاوزته بما خلقته من جمهور متنامٍ باستمرار. الشاهد من كلامي: ظاهرة إلغاء الخطب والكلام الثرثار، وشعبُنا ملَّ – حتى القرف – من الخطب والندوات والمحاضرات والـ”توك شوَ”ات والمناسبات المنبرية والحكواتية.
وإنّ إذاعةً تدعو إلى عيدها الناس لا ليُصغوا إلى الحكي بل إلى الموسيقى، إذاعةٌ جديرةٌ بأن يكون صوتَ الناس صوتُها، فكيف إذا كان صوتَ الناس هذا “صوتُ لبنان”.