هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

506: فلنصلح ما بأنفسنا قبل أن تصلحنا الدولة

الحلقة 506: فلنصلح ما بأنفسنا قبل أن تصلحنا الدولة
(الأربعاء 14 حزيران 2006)

بات من السهل الروتيني أن نمارس النق والنقد وفضح مثالب الدولة، هذه الدولة التي من يوم أهديَت الاستقلال عام 1943 لم تسعَ أن تكون دولةً ذاتَ هيبةٍ تفرضها على المواطنين فيشعرَ المواطن أنه هو الدولة وأن الدولة ملكُه لا خصمُه.
وعوض أن نملأ صحفنا وبرامجنا الإذاعية والتلفزيونية كشفاً لتقصير الدولة، فلنعكسِ الأمرَ ونقُلْ إن الأساس هو المواطن، والدولةَ مرآة المواطن لا المواطن مرآة الدولة.
وإذا كان مستحيلاً على الدولة أن تضع شرطياً عند كل مواطن كي لا يخالف، فلنخلقْ مواطناً يرتدع ذاتياً عن ارتكاب مُخالفات بيئية وأخلاقية ومدنية هي ألفباء المواطن في أي بلد من العالم.
وإذا كانت الدولة تفرض على المواطن وضع حزام الأمان من أجل سلامته، فالأحرى بالمواطن نفسِه أن يرتدع عن هذا الخطر ويضعَ حزامَ الأمان، لا خوفاً من شرطي السير بل خوفاً على حياته هو وحياة أسرته والركّاب في سيارته.
وإذا كانت الدولة تفرض على المواطن ألاّ يلوّثَ البيئة، فالأحرى بحضرة المدام ألاّ تأمر خادمتها السريلنكية بشطف البيت والبلكون والسطيحة وتصريفِ مياه الشطف الوسخة إلى مزراب البيت الذي يؤدي إلى الطريق العام، بكل ما في هذه المياه الوسخة من لزوجةٍ تعرّض المشاةَ للخطر والسياراتِ للانزلاق، فيحصل الحادث تحت على الطريق، فيما حضرة المدام فوق مشغولة بصبحيّتها على التلفون مع فنجان قهوتها الصباحي. وكذلك الأحرى بحضرة الخواجة ألاّ يغسلَ سيارته أمام البيت على الشارع العام تاركاً مياه الغسيل سارحةً على الطريق بكل وقاحة وبكل ما في ذلك من تلويث البيئة وخطرٍ أكيد على المشاة والسيارات.
هذا مَمنوعٌ في الدول الراقية؟ صحيح. هذا يفترض حضور الشرطة وتسطير محضر ضبط بالمخالف الجهبوز الذي يغسل سيارته، وبحضرة المدام الشوساء التي أمرت خادمتها بتصريف مياه الشطف على الطريق؟ صحيح. ولكن، إذا كانت دولتُنا لا تؤمِّن شرطةً لضبط هذه المخالفات في الأحياء الداخلية والخاصة، أفليس من رادعٍ ذاتي عند ذاك الخواجة وتلك المدام، كي لا تكون هذا المخالفة البديهية وقاحةً يرتدع عنها كل مواطن؟
لا يُصلح الله ما بقومٍ حتى يُصلحوا ما بأنفسهم. صحيح. واستطراداً: لا تُصلح الدولة ما بمواطنيها حتى يُصلحوا هم ما بأنفسهم من وقاحةٍ في سلوك مدني لن يردعَه ألفُ شرطي إن لم يكن الشرطي الرادع ساكناً في كل واحد من حضرات المواطنين.