هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

498: أي مستقبل لهؤلاء الصغار؟

الحلقة 498: أي مستقبل لهؤلاء الصغار؟
(الأربعاء 17 أيار 2006)

في بيروت، دعت الطفلة ياسمينا جدّتها وردة للعب معها بالرسم. وبعدما خربشت الجدة على ورقة ما لم يعجب ياسمينا، وأرادت الجدة أن ترضي حفيدتها وترسمَ رسمةً أخرى على ورقة أُخرى، صرخت الصغيرة ياسمينا: “لماذا تمزقين هذه الورقة ولا ترسمين على مقلبها عوض أن تصرفي ورقة أخرى فتزيدي من مصروف الورق ونضطرَّ مع الوقت إلى قطع مزيد من الأشجار”؟
وفي دبي، سألت الجدة منى حفيدها الطفل جاد: “أنا ذاهبة إلى الصين، فماذا تحب أن أحمل إليك من هناك”؟ ولم يطل الجواب في ذهن الصبي جاد حتى أجاب جدته منى: “إحملي ما يعجبُكِ ولكن أنصحك بأن تزوري هناك سور الصين العظيم”.
وفي دانفر كولورادو كان الطفل إندرو جالساً في المقعد الخلفي حين صعد إلى السيارة والده وجده وليد الذي كان يزور العائلة هناك. فلما أقلع الوالد بالسيارة صرخ الولد إندرو: “جدو وليد، ألم تر أبي كيف وضع حزام الأمان؟ لماذا أنت لم تضع الحزام؟ ألا تضعونه أنتم هناك في بلادكم؟”
أمثلةٌ ثلاثةٌ سمعتُها مساء أمس في سهرة جمعتني إلى أصحاب هذه القصص الثلاث. ففكرت فوراً: ياسمينا الواعية إلى هذا الحد على البيئة وضرورة عدم قطع الأشجار، وجاد الواعي إلى هذا الحد على إرث سور الصين التاريخي العظيم، وإندرو الواعي إلى هذا الحد على بدهيات السلامة بوضع حزام الأمان في السيارة، كيف سينصدمون حين ستكبَر ياسمينا وتجد الكبار في بلادها لا يحترمون البيئة والأشجار والنظافة والمساحات الخضراء وليس من يحاسبهم، وحين سيعود جاد إلى الوطن ويرى المسؤولين في المدارس لا يعرِّفون الأولاد إلى معالم تاريخية وأثرية من لبنان نفسه لا من الصين أو أي بلد آخَر، وليس من يحاسبهم، وحين سيزور إندرو وطن جده وليد ويرى السائقين هنا لا يضعون حزام الأمان، وليس من يحاسبهم؟
بلى: إن للبنان جيلاً كاملاً من الأطفال يكبَرون في لبنان وخارج لبنان، ويا خجلنا يوم سيعُون أننا لم نهيِّـئ لهم وطناً على حجم نبوغهم ونباهتهم وما تعلموه في الصغر، بل سيُصدمون في الكبَر بوطنٍ يفتقر الكثيرُ من أهله إلى الكثير من سلوكيات اجتماعية وتربية مدنية ومبادئ مواطنية هي ألف باء المواطنين في أي بلد حضاري.