هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

476: لا لبنان جديداً بدون إعادة تأهيل

الحلقة 476: لا لبنان جديداً بدون إعادة تأهيل
(الأربعاء 1 آذار 2006)

قد لا يتكرر، كما هذه الأَيام، اهتمام المجتمع الدولي بنا، محكمةً ومحاكماتٍ واستحكامات وحكومات، وجميع المهتمين منصبون على الوجه السياسي من القضية اللبنانية.
ولكن… مع انقضاء الموجة السياسية الحالية، وهي ستنقضي قريباً أو وسيطاً، هل نحن متأهلون مدنياً بالشكل الكافي لنطل على العالم بوجهنا الآخر غير السياسي؟ هل نحن على مستوى التأَهُّل للدخول إلى المجتمع الدولي شعباً منضبطاً على النظام، محترماً النظام، منضوياً تحت سلطة النظام، خارجَ قبلية التبعية للسياسيين، وأبعد من عشائرية الولاء لزعماء الأحياء والشوارع والمدن والقرى، وأعمق من التهييص لهذا التيار السياسي أو ذاك التنظيم الحزبي أو ذلك الاصطفاف العشائري؟
المجتمع الدولي المهتم اليوم بقضيتنا السياسية، مجتمع له مشاكله ومعضلاته وأزماته السياسية، لكنه مجتمع منظَّمٌ ذو شعب مؤهَّلٍ مدنياً، تصل ناسَه حقوقهم، ويعرف ناسُه واجباتهم تجاه الدولة لا أركان الدولة، وتجاه القانون لا الزعماء والقادة والأسياد، وتجاه النظام لا المحسوبيات العشائرية القبلية المزرعجية التي خارجَ كل دولةٍ وقانونٍ ونظام.
لا أقول هذا فضحَ مثالبَ أو تشهيراً متشائماً، فنحن أبناءُ شعب قوي، وأحفادُ شعب عظيم، لكننا كسرنا في نصف القرن الأخير على تجاوزات واعتبارات ومحسوبيات زعاماتية حتى بات مجتمعنا في حاجة إلى تأهيل مدني كامل قبل أن نعلن ولادةَ لبنان الجديد وفجرَ لبنان الحر وشمسَ لبنانَ الطالعِ من حروب الآخرين على أرضنا.
نعم: تأهيل مدني يبدأ من المدارس، وتربية مدنية تتكرَّس في البيت: من أهلٍ يعرفون مبادئ التربية المدنية واحترام النظام والقانون، ومن إعلام موجِّهٍ إلى السلوك المدني الصحيح، ومن صحافةٍ لا تجعل كلَّ همها نصرة هذا السياسي أو مهاجمة ذاك، بل تتوجه إلى الشعب، أطفالِه وشبانِه وشاباتِه وسيداتِه ورجالِه، كي ننهض إلى لبنان الجديد، مجتمعاً صالحاً مدنياً، وصالحاً نظامياً، وصالحاً مواطنياً، فنستحقَّ فعلاً أن نقدِّم لأولادنا وطناً سليماً من سرطان المزارع السياسية والقبائل الزعاماتية، وطناً سيّدُه النظام، حاميه القانون، سياسيوه خُدّامُ شعبه لا العكس، حكَّامه موظفون عند شعبه لا العكس، وإلاّ فسنستيقظ ذات صباح وَنَجِدُ أَسِرَّة أولانا خالية منهم، لأنهم غافلونا في سكون الليل إلى أوطان لا تتشدَّق بمناخها وطبيعتها بل بقدرة شعبها على احترام النظام والقانون، وهما الجناحان الوحيدان لوطنِ السيادة والحرية والاستقلال.