هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

455: لبنان بين الرعاية والوصاية

الحلقة 455: لبنان بين الرعاية والوصاية
(الأحد 11 كانون الأول 2005)

كثر التداول في الآونة الأخيرة بعبارة “الوصاية” على لبنان، بين الفرحين بخروج لبنان من تحت الوصاية، ومن أزعجهم هذا الأمر فاعتبروا لبنان خرج من وصاية ليقع تحت وصاية أخرى، سَمَّوها مرةً دولية ومرة أميركية ومرة فرنسية، واتهموا سفراء الدول الكبرى بالتدخل في شؤون لبنان.
هؤلاء يخلطون جذرياً بين الوصاية والرعاية، وشتان ما بين الكلمتين والمفهومين والممارستين.
الوصاية تكون من دولة سيادية على أخرى لفترة قد تطول. الرعاية تكون من مجموع دول حيادية على دولة بحاجة إلى رعاية دولية لفترةٍ محددة.
الوصاية تتيح للدولة الوصيّة التدخل حتى في الشؤون الداخلية للدولة الموصى عليها. الرعاية لا تتدخل في تفاصيل الشؤون الداخلية للدولة المرعاة بل في ما يشكِّله تركها من خطر عليها وعلى مصالح الدول.
الوصاية تكون مرةً بالهيمنة القسرية أو الاحتلال المباشر أو بتوصية دولة كبرى لدولة إقليمية أن تكون وصيةً على دولةٍ ما. الرعاية تكون باتفاق الدول على إنقاذ دولةٍ ما من مأزق أو احتلال أو هيمنة.
الوصاية التي خرج لبنان من كابوسها كانت لثلاثين عاماً فرديةً من دولةٍ واحدة تُحكم قبضتها على مفاصل الدولة اللبنانية. الرعاية التي تحيط اليوم بلبنان هي من منظمة الأمم المتحدة التي لبنانُ عضوٌ فيها.
وإن لم يكن للأمم المتحدة أن تتدخل لترعى مصالح دولة عضوٍ فيها، فما إذاً مصلحة لبنان أن يكون عضواً فيها، وما مصلحة كل دولة من دول الأمم المتحدة إن لم تكن المنظمة حاضرةً لِمدّ يد المساعدة إلى دولة عضوٍ فيها؟
إن لبنان الذي ساهم قبل أكثرَ من نصف قرنٍ في وضع شرعة الأُمم المتحدة، حقٌّ له وعلى دول المنظمة، أن يطلب رعايتها لفترةٍ محددة، حتى يخرج من مأزقٍ أوقعته فيه الوصاية.
ومن الآن حتى يفهم من لا يريدُ أن يفهمَ الفرق بين الوصاية والرعاية، سيظل لبنان رافضاً كلّ وصاية إحادية، ومقتبلاً لفترةٍ رعاية دولية لا هيمنة فيها لدولة أكثر من سواها، حتى يستتبَّ فيه الوضع إلى استقلال ناجز محلياً وإقليمياً ودولياً، فتُرفعَ عنه بقايا بصمات الوصاية، وتُرفعَ عنه حتى الرعاية، ولو جاءته دولياً من منظمة الأمم المتحدة.