هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

431: حتّى يغيروا ما بأنفسهم

الحلقة 431: حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم
(الاثنين 17 تشرين الأول 2005)

يعتبر الكثيرون أنني في هذه الحلقة اليومية أُكثر من التركيز على المثالب فقط في شعبنا. مش صحيح، فأنا حين ألتقط خبراً مضيئاً أو بادرةً إيجابية أو حدثاً لبنانياً مشرِّفاً، أضوّئ عليه. غير أن هذه التضوئة لا تجعلني أشيح طوباوياً عما في شعبنا من مثالب وتجاوزات، سواء على الطرقات أو في البيوت أو في تعاملنا مع الذات والسوى والدولة.
فالثابت أننا في حاجة إلى إعادة تأهيل مدنية لتربية مدنية تؤدي إلى مواطنية صالحة. وهذا لا يتمَّ بالطلب من الدولة أن تردَع الناس عن الخطإ أو التجاوز أو المخالفة، إن لم تكن فيهم أساساً بذرةٌ صالحة لهذا التأهيل. لا يمكن تخصيصُ بوليس سير لكل مواطن أرعن يتجاوز بوقاحةٍ إشارة حمراء، أو يرمي بوقاحةٍ نفاياتٍ من نافذة السيارة، أو يسير بسرعة جنونية تشكل خطراً عليه وعلى الآخرين، أو يمتطي دراجةً نارية تزعق ليلاً فتوقظ النائمين، أو يطلق أسهماً ناريةً ذاتَ مفرقعاتٍ ترعب النائمين خوف انفجار جديد.
لا أقول هذا دفاعاً عن الدولة، فهي من غير شر جسمها لبّيس على النقد منذ نصف قرن. لكنني لا يمكن أن أتغاضى عن تجاوزات وقحة من مواطنين وقحين لا يحترمون القانون ولا النظام ولا الآداب العامة، ولو ان الدولة لم تفعل شيئاً لتفرض هيبتَها وسلطتَها وعقوباتِها الصارمةَ الرادعة.
كفانا تجاوزات مدنية. ولنعمد إلى رقابة ذاتية قبل رقابة الدولة، ولْنتّعظ، كثيراً فلنتعظ، عميقاً فلنتّعظ بآيتين كريمتين من كتاب الله تعالى، الأُولى تقول: “إن الله لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم”، وتقول الأُخرى: “ذلك بأن الله لم يكُ مغيِّراً نعمةً أنْعَمَها على قومٍ، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”.
فلْنتَّعِظْ. ولنغيِّرْ ما بأنفسنا قبل أن نطالب الدولة. ولْنكن نحن شعباً راقياً فنرقى إلى مستوى الشعوب الراقية مدنياً. إن الرقيَّ تراقب الرقيَّ ولا تصنعه. إن الرقيَّ تصنعه الشعوب.