هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

323: انتخابيات 8) فلنتعلّم ديمقراطية الانتخابات من بريطانيا

الحلقة 323: انتخابيات- الجزء الثامن- فلنتعلّم ديمقراطية الانتخابات من بريطانيا
(الأربعاء 18 أيار 2005 )

في الأخبار الوافدة إلينا من بريطانيا، أنّ حزب العمّال فاز، في الانتخابات الأخيرة، على حزب المحافظين. الخبر إلى هنا عاديٌّ: أنْ يفوزَ حِزبٌ على حِزب. لكنّ تتمة الخبر غير عادية: أن يُعلن المستر هاوَرد استقالته من زعامة حزب المحافظين لأنَّ حزبه خسر في الانتخابات.
جزءٌ آخَرُ من الخبر نفسه: فوز حزب العمّال للمرة الثالثة في تلك الانتخابات، إذاً احتفاظُهُ برئاسة الوزارة البريطانية. وهذا أيضاً خبر عاديٌّ: أن يفوز حزب للمرة الثالثة في الانتخابات. لكنّ تتمة الخبر غيرُ عادية: أن يفوز حزب العمّال مرةً ثالثة وأن يبادر زعيمُه طوني بلير لا إلى شُكر ناخبيه مرةً ثالثة زعيمَ حزب العمّال ورئيسَ الوزارة مرةً ثالثة، بل إلى إعلانِه عزمَه على التنحّي عن رئاسة الوزارة لكي يُفسح في المجال لرئيس وزراء آخَرَ أكثر نشاطاً يُحرّك دينامية الدورة السياسية في المملكة المتّحدة.
أكثر نشاطاً، وطوني بلير في مطلع الخمسينات من عمره! يتنحّى عن رئاسة الوزارة كي يفسح في المجال لدم جديد على رأس الوزارة في بريطانيا العظمى! مستر هاورد يتنحّى عن زعامة الحزب لأنه خسر في الانتخابات!
هذه هي الديمقراطية الحقيقية تأتينا من بريطانيا. فأين نَحن من هذه الديْمقراطية؟ أين الديْمقراطية عندنا حين يَجلس نائبٌ على مقعده في البرلُمان دورةً بعد دورةٍ بعد دورة، حتى يبلغَ التسعين أو أكثر، من غير شرّ وأطال الله في عمره، وهو يا ما شاء الله يظل نائباً دورةً بعد دورةٍ بعد دورة، فإذا مات فابنُه يرثه في المقعد، أو أحدٌ من عائلته، حتى تتمدَّد هذه العشائرية العائلية على مساحة الوطن بأولياء العشيرة وأبنائهم وأحفادهم وأنسبائهم فإذا لبنان مَجموعُ زعماءِ عائلاتٍ لا زعماءِ أحزاب، لا يتنحّى واحدٌ منهم ولا هُم يُحسّون، ويعِظُون الناس بالديْمقراطية، ويبشّرون الناس بالتغيير، وأمام كاميرات التلفزيون يُحاضرون في لبنان الجديد ومستقبل الوطن، فينطبق عليهم قول سعيد تقي الدين: “أفصح ما تكونُ المرأةُ الساقطة، حين تُحاضر في العفاف”.
ألاَ خففوا من الوعظ بالديْمقراطية يا أولياء العشائر والقبائل والعائلات، وتعلّموا الديمقراطية من بريطانيا قبل أن تَتَغَرغَروا أمامنا بديْمقراطيةٍ هي ثلجٌ كاذبٌ سرعان ما تفضحه حرارة الشمس التي لا تعرف الكذِب.