هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

307: لبنان فلبنان… في كتاب زافين قيومجيان

الحلقة 307 – لبنان فلبنان… في كتاب زافين قيومِجيان
(الثلثاء 26 نيسان 2005)

كان يُمكنُ أن يكون كتاباً عادياً تتمرأى فيه صورتان: أولى قديمة من أيام الحرب تقابلها حديثةٌ للمكان نفسه بعد الحرب، ولكان القارئ يفرغ من الكتاب مقارناً كيف كان المكان تحت الرماد بين أطلال الدمار، وكيف بات اليوم بعدما خرج من الدمار إلى العمار. ولكان الكتاب جاء معبّراً، إنّما بدون جُهدٍ غير عاديّ.
غير أنّ زافين قيومِجيان، الوجهَ الشابَّ الهادئَ التقاسيم والصوت، العميقَ الطموح والرغبة الإعلامية، لم يرضَ لكتابه سهولة اللقطة بل راح يبحث عن مغامرة أكثرَ إثارةً لنتيجةٍ صحافية أكثرَ إثارة. فلم يكتفِ بالمكان بل راح يبحث عن الناس الكانوا في المكان وأين أصبحوا اليوم فصوّرهم حيثُ هم أو في المكان القديم نفسه، أبلغَ تعبير عما همُ اليومَ مقابلَ كيفَ كانوا بين النار والخوف والرماد والدمار. أي أنه لم يكتف بالمشهد الجامد قبل سنوات والمشهدِ نفسه اليوم، بل تعهّد أن يعود إلى ذاكرة الحرب، ليَخرُج منها إلى مفكّرة السلام.
هكذا مثلاً نرى في الكتاب على صفحتين متقابلتين: صورةَ بوسطة عين الرمانة نهار 13 نيسان 1975 وصورةَ البوسطة نفسِها متقاعدةً في مرج حاروف نهار 13 نيسان 2002، أو صورةَ الخراب وسط ساحة رياض الصلح في 24 أيلول 1975 وصورةَ الساحةِ نفسِها في 24 أيلول 2002 مرمّمة جميلة، أو صورةَ شارع المصارف يعجّ بالمسلحين وسط الدمار في 17 نيسان 1976 وصورةَ الشارع نفسه في 17 نيسان 2002 يعُج بالحركة بعد ترميمه الجميل، أو صورة عروسين يعبران شارعاً محروقاً مدمراً في ساحة الدباس سنة 1977 وصورة عروسين سنة 2002 يعبران المكان نفسه من الشارع نفسه أنيقاً نظيفاً جميلاً، أو صورةَ فندق فينيسيا مدمَّراً مكسّراً على مدخله مسلحون بشعاراتٍ ميليشياوية في 15 نيسان 1977، وصورةَ فينيسيا نفسه في 17 تشرين الأول 2002 على مدخله زوار وسياح وأعلام الدول، أو صورةَ كورنيش عين المريسة والناس هاربون منه نهار انفجار السفارة الأميركية في 18 نيسان 1982 وصورة المكان نفسه في 18 نيسان 2002 لكورنيش عين المريسة يعجّ بالمتنَزّهين والسياح ورواد المشي الصباحي، أو صورةَ السيدة سميرة شنباق مستغيثةً تبحث عن ولديها فرح وخالد إثر انفجار سيارة مفخخة في الطريق الجديدة نهار 8 آب 1986، وصورة السيّدة نفسها في 8 آب 2002 وفي الشارع نفسه بين ولديها فرح وخالد. وهكذا، مع كل صفحة جديدة، دهشة جديدةٌ من هذا العمل المضني والدؤوب.
كتاب “لبنان فلبنان” لزافين قيومجيان، أخرجتْه “دار النهار” كتاباً تُحفةَ الشكل عانقت تُحفة المضمون، شهادةً بالغةً وبليغةً من زافين الذي عهدناه ذا خبطاتٍ مفاجئةٍ ومباغِتةٍ على الشاشة، يفاجئُنا هذه المرة في كتابٍ يؤرّخ للذاكرة اللبنانية بفصاحة الصورة وبلاغة مضمونها الذي يُعَبِّرُ أبلغَ من كلِّ كلام.