هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

305: دمعة الريحان على باسل فليحان

الحلقة 305: دمعة الريحان على باسل فليحان
(الجمعة 22 نيسان 2005)

… وفي اليوم الثامن والستين، عاد باسل فليحان إلى لبنان الذي من أجله كان، قبل سنواتٍ، ترك عروضاً مغرية في أميركا حتى يعود إلى وطنه كي يَخدم وطنه وكان يَحتاجه وطنه.
قبل سنواتٍ، عاد والأملُ مشعٌّ في عينيه، واليوم يعود مطفأَ النور في عينيه.
الهادئ الباسم المطمَئِنّ، أمضى خمسة وستين يوماً معلّقاً بين الموت والحياة، هادئاً في غيبوبته العميقة، كأنما كان يودّعنا في طمأنينةِ مَن يعرف أنه استُشهد مرتين: أُولى حياً في 14 شباط، والأخرى قبل يومين حين التحق بالرفيق الكبير الذي، على حياته، ظَلَّ ظِلّه المشع، وأبى إلاّ أن يكون ظِلَّه الصامت في رحلته الأبدية.
اليوم نودّع باسل فليحان، ومعه نودِّع نَموذج شبابٍ لبناني حَملَ المعرفة وجاء يُوْدِعُها وطنَه ويودّع وطنه تاركاً فيه شعاع المعرفة التي لا تنطفئ ولو انطفأ صاحبها.
عزاؤنا، فيما نودّع باسل اليوم ملتحقاً برفيقه الكبير شهيدِ العصر، أن يكون استشهاده ثَمناً ولو باهظاً، واستشهادُ رفيقه الكبير ثَمناً ولو باهظاً جداً، لقيامة لبنانَ من مرحلةٍ إلى مرحلة: من مرحلةِ سنوات الجمر فسنواتِ القهر، إلى مرحلةِ سنواتٍ آتيةٍ من المستقبل، تَحمل إلى شباب لبنان المهاجرين، أملاً بأن يُعيدوا التفكير في هجرتهم، ويعودوا إلى وطنهم وقد انسحبَت منه فلولُ المحسوبيات الوطنجية والاستزلامات الوطنية والمعليشيات المحلية، وحلَّ مَحلَّها حضورُ الدولة القادرة القائمة على النظام والتنظيم والانتظام والنظُم، دولةٌ تتكافأُ فيها الفرص لِجميع أبنائها المستحقّين، دولةُ إيصال المواهب لا إيغال المذاهب، دولةُ الحقِّ الذي لا يضيع، والعدلِ الذي لا يَميع، والقانونِ الذي وحده يَشيع.
عزاؤُنا، فيما نودّع اليوم باسل فليحان ملتحقاً بالرفيق الكبير، أن نكونَ في وَداعنا إياه نستودعه إيْماءةً إلى رفيقه الرفيق، إشارةَ أنّهما حَبةُ الحنطة التي انزرعَت في تربة لبنان لكي تَتَسَنْبَلَ منها أغمارُ الفَرَج مُتَبَيْدِرَةً على لبنانَ الآتي إلى جيلنا الآتي.
وإذا كان قدَر الرّيْحان أن يكونَ وسيطاً بين فصلٍ في الطبيعة وفصل، فلتكُنِ اليوم في لبنان مرحلةَ الفصل بين فصلٍ وفصل، دمعةُ الريْحان على باسل فليحان.