هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

299: 30 عاماً. 4) من بيروت التفاجع إلى بيروت التبادع

الحلقة 299: ثلاثون عاماً… فماذا تَعَلَّمْنا؟
الجزء الرابع: من بيروت التفاجُع إلى بيروت التبادُع
(الخميس 14 نيسان 2005)

انتهت أمس خمسة أيام الاحتفالاتِ بنهضةِ بيروت، لا لتنتهي بل لتبدأَ منها شرارةُ الحياةِ العائدة إلى بيروت العائدة.
خمسة أيام بنهاراتها ولياليها ضجَّت بها بيروتُ خارجةً من حزنها الفاجع إلى نبضها الراجع، راجعاً بإرادةِ الحياة وبالوفاءِ الدائمِ ذكرىً دائمةً لِمن أَرجعَها إلى العَمار بعد الدَّمار ويرقدُ اليوم في ترابها ساكتٌ قلبُه لينبضَ بالحياة قلبُ بيروت.
خمسة أيام بنهاراتها ولياليها تبادعَت خلالها بيروت ولم تهدأْ ولم تنَمِ: شِعراً تبادَعت، موسيقىً، غناءً، رسماً، حركةَ جمهورٍ كثيفٍ، مشاهدَ مسرحٍ وأَداءٍ فرديٍّ وجَماعيٍّ شبابي ومُكرَّس، حتى أصبحت بيروت، في خمسة أيام، مَلْفَتَ الشاشات المحلية والعالَمية، الأرضية والفضائية، وشهِد العالَمُ، كلُّ العالَم، عودةَ بيروتَ إلى الحياة، عودةَ لبنانَ إلى لبنان، نهوضَ الفينيق من رماده الفاجع إلى عِناده المتبادِع.
نهض الفينيق اللبناني ليُعلّمَ هذا الشرق الخامِل كيف شعبُ لبنان أطاحَ قاعدة توتاليتاريا دول المنطقة، فلم يعد الشعبُ تابعاً إرادة الحكام والسياسيين بل أصبح الشعبُ هو في الطليعة والسياسيون يتْبعون ويتّبعون ما يريده الشعب.
بلى: بيروتُ، التي تفاجع أهلُها ومعهم أهلُ لبنانَ كلِّه على شهيد العصر، انتفَضَت من حزنها كرمى لذكرى عريسها وشهيدها، وقامت من التفاجُع إلى التبادُع.
ما أروعَ أن تنتقلَ مدينةٌ عريقةٌ في الزمان، كبيروتَ عروسِ الزمان، من أن تتفاجَع على شهيدها إلى أن تتبادعَ كي تُكملَ حلمَ شهيدها، فتُبقي الحياةَ عاصمةَ حياةٍ أربعاً وعشرين ساعةً يومياً في هذه البيروت التي بات وسَطُها لؤلؤةً حقيقيةً في هذا الشرق.
خمسة أيام بنهاراتها ولياليها، ضجَّت خلالها بيروت، بدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ من تاريخها الحديث، متَوَّجَةٍ بإرادة الحياة وإرادة التحدّي: تَحَدِّي الميتة المُفْجِعة بالحياة المبدِعة! وهي هذي علامةُ بيروتَ بين المُدُن: يدمِّرها الزلزال فتنهض، يغتالون عريسَها فتُؤَيْقِنُهُ شهيدَها وتَمضي به فاتِحةً أبوابَ المستقبل.
ثلاثون عاماً… فماذا تَعلَّمنا؟
تعلَّمْنا، على الأقلّ، ألاّ نقع تَحت هَول الفجيعة، فنُكرّسَ عاصمتَنا الحبيبة عاصمةً للعناد الجميل: عنادِ الانتقال المدهش من إدارة التفاجُع إلى إرادة التبادُع.