هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

277: ووحده انتصر: الولاء اللبناني

الحلقة 277: ووحده انتصر: الولاء للبنان
(الثلثاء 15 آذار 2005)

كان من الطبيعي أن يهتفوا مئاتِ آلافٍ بالوفاء لشهيد العصر، في الساحة التي أقامها عاشقُ بيروت من رماد الحريق الى شعشعة البريق، ومن خراب الركام الى لؤلؤة الأحلام. لكنّ من مآثر استشهاد شهيد العصر، أنْ أبرزَ الى العلن العريض هتفةَ الولاء للبنان، من نهر اللبنانيين الذين اندفعوا من روافدِ كل لبنان، وتَجمّعوا نهراً بشرياً رائعاً واحداً موحَّداً في ساحة 6 أَيار كرّسوها في 14 آذار فجراً جديداً لاستقلال جديد.
لا أَعرف إن كانت ساحة راشيا 1943 شهدت عشر ما شهدتْهُ ساحة البرج أمس في 14 آذار. وإذا كنا منذ ستين عاماً نعيّد احتفاءً بالذين تظاهروا مئاتٍ ليهتفوا باستقبال بشارة الخوري ورياض الصلح ورفاقهم خارجين من سجن قلعة راشيا، فغداً سوف يُعَيِّدُ أبناؤُنا استذكاراً لا بِمئاتٍ بل بِمئات آلاف من هتفوا باستقبال لبنان الخارج من سجن قلعة التوتاليتاريا المقنّعة.
وإذا المتظاهرون في 22 تشرين الثاني 1943 هتفوا للخروج من الانتداب الفرنسي الى لبنان اللبناني، فالمتظاهرون أمس الاثنين، 14 آذار 2005، هتفوا للخروج من كل وصاية وانتداب واحتلال، صارخين حريتهم، هاتفين بالولاء لِما سوى لبنان اللبناني.
الولاء للبنان، كان شعارُهم. من كلِّ منطقةٍ في لبنان، من كلِّ مذهبٍ وكلِّ دين، من كل تشكيلٍ وحزب وتَجمُّعٍ وتنظيمٍ وتيار، كان شعارهم الولاء للبنان اللبناني.
من كلّ لبنان كان ولاؤهم للبنان، للبنانَ اللبناني، لبنانَ الذي لا عدوّ له إلاّ إسرائيل، لبنانَ الذي يرفض كلَّ وصايةٍ وانتدابٍ ورعاية، وكلَّ خارجٍ أياً يكن هذا الخارج، لبنانَ اللبناني الذي أنقذه شعبُهُ من أشداق التنين، لبنانَ اللبنانيّ الذي عاد الى شعبِه، كلِّ شعبه: من أكبر المعمّرين في شعبِه الى أصغر طفل ولد البارحة، لبنانَ الذي تصالَحَت أرضُه على الكرامة اللبنانية والولاء للبنان، كلُّ أرضه: من أعلى حفنة تراب في أعلى قمةٍ لبنانية، الى أدنى حبةِ رملٍ عند شاطئِهِ، ومن أقصى عكاره الحبيب الى أقصى جنوبه الحبيب، لبنانَ اللبنانيِّ المتعانقِ المتصالحِ على وِحدة الرأي والكيان، والتمسُّكِ بلبنانية لبنان، لبنانَ اللبناني الذي شهد أمس أضخم حشد لبنانيٍّ، أعظَمُ من عَدَدِه العظيمِ هتفتُهُ الواحدة: الولاء للبنان اللبناني.
طوبى لهم أَهالينا الذين تقاطروا أمس الاثنين، تكاتفوا أمس الاثنين، تَخاصروا أمس الاثنين، كما ليحضُنوا وطنَهم قبل أطفالهم، كما لينْزرعوا هُم بأرض لبنانهم قبل زيتونهم وسنديانهم، كما ليُقسموا أن يَحموا لبنان بأجسادهم نهراً بشرياً يروي بهتفته الواحدةِ: الولاءَ للبنان، الولاءَ لكلّ لبنان، الولاءَ لكل شبر من أرض لبنان، الولاءَ لكلِّ من يَحمل على بطاقة هويته أرزةَ لبنان، الولاءَ للبنان الذي صار نشيدُه الوطني صلاةَ أبنائه كلّ يوم، الولاءَ للبنانَ الذي صار عَلَمُه تاجاً على رأْس كل أبنائه.
أعظمُ من حشودِ أمس العظيمة، هتفتُهم في صرخة شقَّت فضاءَ لبنان: الولاءَ الولاءَ للبنان اللبناني.