هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

255: عاصمة بكاملها من دون محطّات بنزين

الحلقة 255: عاصمة بكاملها من دون مَحطّات بنْزين
(الجمعة 4 شباط 2005)

بعد حلقة الثلثاء هذا الأُسبوع عن مَخاطر المصانع والمعامل والكاراجات في الأحياء السكنية، التقيتُ صديقاً لي عائداً حديثاً من كييف، سمع الحلقة فعلّق عليها قائلاً إنه لاحظ في كييف خلوَّ أحيائها من محطات البنْزين. وإذ سأَل صديقاً له هناك عن الأمر، استغرب ذاك الصديق مُجيباً بسؤال آخَر: “وهل يُعقَل أن يكون في أحياء العاصمة مَحطات بنْزين؟ هذا الأمر مستغرَب قبل أن يكون مَمنوعاً. أوَّلاً حرصاً على عدم تَلَوُّث البيئة ببخار البنْزين ومشتقات النفط على أنواعه، وثانياً حرصاً على حياة الناس من خطر الحريق أو الانفجار إذا حصل أيُّ احتكاكٍ أو حادث يسبب اندلاع النار، فكيف يُمكن أن يَحصل هذا في حي سكني مكتظّ. وهل يُمكن الترخيص لِمحطة بنْزين بين بنايتين أو قرب بناية سكنية”؟
بلع صديقي بريقه مؤيِّداً بِحنانٍ مهذَّب كلامَ صديقه الأوكراني.
هذه إذاً، مدينةٌ كبرى مثل كييف، تعُجُّ بالمتاحف العريقة والكنائس العتيقة والعصرنة الضالعة في أعلى مستويات التكنولوجيا، تراعي شعبها وبيئته وصحته وحياته ورفاهَه، ولا تسمح بِمحطات بنْزين في قلب العاصمة، بل في مُحيطها حيث لا يُسمح ببناء مَحطة بنْزين إلاّ في فسحة ذات انحسار معيَّن عن أقرب وحدة سكنية.
أوكرانيا، ذاتُ الخمسين مليون نسمة، ذات الستمئة ألف كيلومتر مربَّع، تضبط أمر الأمن الاجتماعي والصحي بكل حزم، لأنّها لي فيها ابن ست وابن جارية، وليس فيها عشائرية وقبائلية وزبائنية ومزرعةٌ يَسُوسُها إقطاعيون يشرّعون لأزلامهم ما يُخالف القانون، ويُرضون مَحاسيبَهم بتراخيصَ ولو خطِرة، ولو على حساب حياة الناس.
دولتُنا المشغولةُ اليوم بصداع الانتخابات الذي لن تعرفَ كيف تَخرج منه، هل تتعلّم كيف تُبنى الدولة على حزم القانون لا على مُخالفة القانون؟
دولتُنا الْمشغولةُ بكيدياتها منذ فجر الاستقلال، هل تتعلّم من الدول الحضارية، كيف تبنى الدولة بالحفاظ على حياة الناس، لا بتغيير القوانين والدساتير كلما جاءت حكومة جديدة أو حلّت استحقاقات جديدة فتعيد النظر في موادَّ وبنودٍ تُغَيِّرُها وَفْقَما يَخدم أزلامَها ومَحاسيبَها وإقطاعييها من “بيت بو سياسة”؟
دولتُنا هذه، ألا تَخاف أن يُطيحها، ذات يوم، انفجارُ مَحطة بنْزين؟