هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

252: مصانع ومعامل في أحياء سكنية

الحلقة 252: مصانع ومعامل في أحياء سكنية
(الثلثاء 1 شباط 2005)

كلما زرتُ نسيبةً لي في منطقةٍ سكنيةٍ مكتظّة، أستغرب احتمالَها البقاء في حيٍّ تفوح من أرجائه رائحةُ البنْزين والمازوت والتِّنِر والشحم والزيوت المحروقة، وتُرعد في أرجائه أصواتُ الضجيج الصاخب من كاراجات ومصانع ومعامل ومُحترفات تُحدث أصواتاً عاليةً تعيق التحدث والنوم والراحة. ويزيد من هذا الإزعاج السمعي والشمّي والبصري والتلويثي، كما روت لي نسيبتي العزيزة، إعاقةُ أهل الحي، أصحاب المساكن أو شاغليها، عن إيجاد مواقفَ لسياراتهم نهاراً، لأن الحي مكتظّ بأصحاب المصانع والكاراجات أو زبائنهم أو شاحنات بضائعهم، حتى بات السكن في مساكن ذاك الحي جحيماً حقيقياً ليس من يرفعه عنهم ولا من يردعه عن صحتهم وتلوُّث بيوتهم بالغبار والدخان.
فكيف يمكن أن تعطي الدولة المصون رخصةً لمطبعة في بناية سكنية، بكل ما يصاحب وجودَ هذه المطبعة من ارتجاج آلاتها وضجيج عمالها وشاحنات إفراغ مواعين الورق أو شحن البضاعة المطبوعة وحركة السير التي تتوقف في الشارع أو تلغى بسبب عجقة السيارات الوافدة الى المطبعة؟
وكيف يمكن أن تعطي الدولة المصون رخصة لمطعم في بناية سكنية، بكل ما يصاحب هذا المطعم من روائح طعام واحتراق زيوت وتصاعُد دخان المطبخ في مدخل البناية وتوزُّعِه على شققها السكنية؟
وما نقوله عن المطعم والمطبعة في بناية سكنية أو حي سكني، نقوله عن إعطاء رخصة كاراج أو مصنع أو معمل أو محترف شغل، أو أية صَنعة أخرى ليست حافيةً ولا صامتة، بل تزعق ضجيجاً وتتمرّد دخاناً وبنْزيناً ومازوتاً، وكل ذلك بسبب مَحسوبيات وزبائنيات وعشائريات في إعطاء الرخص أو حماية أصحاب رخص يلتجئون عند الإحراج الى زعيمهم من “بيت بو سياسة”.
إن في التنظيم المدني أحياءَ مصنفةً سكنية، وأُخرى مصنفةً صناعية، ولكنّ التصنيف السائد عندنا هو الذي يأْمر به زعيم العشيرة أو القبيلة، لا سقف فوقه ولا رقيب. وهو هذا ما يميّزنا جداً عن أن نكون في بلدٍ حضاريٍّ يُرعب فيه شرطيٌّ واحد حياً بكامله، سكنياً كان، أو صناعياً.
ومن الآن حتى نصبحَ في حماية هذا الشرطي، لا يَجد شبابُنا منفذاً لآمالهم، إلاّ… أبواب السفارات.