هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

238: الموظفون والتدخين في الدوائر الرسمية

الْحلقة 238: الْموظفون والتدخين في الدوائر الرسمية
(الأربعاء 12 كانون الثاني 2005)

دخلتُ عليه، هَبَّ واقفاً بكل احترام مهنيّ، وصافحني بتهذيبٍ جَمّ. عرضتُ عليه مطلبي فلبّاه بِمهنيّةٍ عالية. وفيما كان هذا الْموظَّف الْهَذوب يُجري اتصاله لتنفيذ معاملتي، لفتتْني أمامه منفضة سجائر، ووراءه لافتةٌ عليها بِخطّ كبير: “لُطفاً: التدخين مَمنوع”. سأَلْتُه عن عقب السيجارة الذي في الْمنفضة، وكيف سَمَح لزائرٍ أن يُدَخِّن، منتهكاً لافتة منع التدخين وراءه، فابتسَم وقال بِمرح: “وماذا لوكنتُ أنا مدخِّنَها؟ يا أُستاذ، هذا مرضي. لا أستطيع الامتناع عن التدخين”.
طبعاً، لستُ هنا لأَدينَ من يدخِّن ولِماذا يُدخِّن. لكنّ الشاهدَ أنّ التدخين في الوظيفة الرسمية أمرٌ شائنٌ ومُقرفٌ وضدّ السلامة العامة. فغرفة الْموظف عادةً لا تتعدّى مترين مربّعين، يدخلُها الْمواطن لإجراء معاملة فإذا بسموم النيكوتين تدخل رئتيه قبل أن يَخرج من فمه أيّ كلام عن معاملته. أما القدرةُ على وقف التدخين، فإن لَم تكن عملاً إرادياً، عليها أن تكون رادعاً قسرياً.
أمضيتُ في الولايات الْمتحدة ستَّ سنواتٍ متتالية، ودخلت خلالَها دوائرَ رسميَّةً ومصارفَ ومؤسساتٍ خاصةً وعامة، ومكتباتٍ خاصةً وعامةً، ومدارسَ وجامعاتٍ وغرفَ إدارةٍ واجتماعات، ولَم أَلْحَظْ، طوالَ ست سنوات، موظفاً يدخِّن في أثناء الْخدمة أو في غرفة الوظيفة. لِماذا؟ ربّما لا عن تعفُّفٍ وإرادةِ قويّة، وإنّما عن خوف من رؤسائه الذين يطبِّقون بِحزمٍ قانونَ منع التدخين في أثناء الوظيفة وفي الْمكاتب الرسمية.
إن الوظيفةَ خدمةٌ للمواطن. ومكتبُ الْموظَّف ليس مُلكَه ولا حتى مُلكَ الدولة. إنه مُلْك الْمواطن. ومن حقّ الْمواطن ألاّ تَجتاحَه سُموم السجائر حين يدخل دائرةً رسمية.
هذا عن الْموظَّفين. أما الْموظّفات، وسجائرُهنّ الْمشرَّعة بين أظافرهِنَّ الْمحشوَّة بالنيكوتين، فَحَدِّثْ ولا تتوقّفْ عن منظرِهنّ وهُن يَنفُخْن في وجه الْمواطن دخان أمعائهنّ، ويُخاطبْنَه من قفا شفاههن الغليظة الْمصفَرَّة من زبائل النيكوتين.
بلى: لا بدّ من قانونٍ صارمٍ حازم، يَمنع هذه العادة البشعة، الْمنتشرةَ على الدول الْمتخلّفة في العالَم الثالث، أن يدخِّن الْموظّف في أثناء الدوام، وفي غرفة الوظيفة.
فيا جهابذةَ الْمهتمين عندنا بالتنمية الإدارية والإصلاح الإداري، لتكن هذه الظاهرةُ البشعة، ظاهرةُ التدخين في مكاتب الدوائر الرسمية، أوّلَ ما تَجترحونه من عجائب في تطهير الإدارة اللبنانية، أوّلاً، من قرف التدخين.