هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

174: نيويورك 4: برج التجارة العالمي كان هنا

الحلقة 174: انطباعات من نيويورك (الْجزء الرابع): برج التجارة العالَمي كان هنا
(الخميس 14 تشرين الأول 2004)

كان ذلك منذ أربعةَ عشر عاماً، حين دعاني صديقٌ الى الغداء في الطابق 107 من برج التجارة العالَمي، فتسنَّى لي، من أعلى مكانٍ في نيويورك، تأَمُّلُ أقسامها الْخمسة: جزيرة مانهاتن، أحياء بروكلِن وكوينْز وبرونكس، وجزيرة ستاتن آيلَند. وتتالت زياراتي بعدها الى هذا البرج الْمُزدوج، معْلَماً بات شعارَ نيويورك، تعتزّ به اعتزازَها بتمثال الْحرية في إِلِّيس آيلند قبالة مانهاتن.
ومنذ مغادرتي الولاياتِ الْمتحدةَ قبل عشر سنوات، لم أَزُر نيويورك. وطالَما أنا فيها، قلتُ أزور الْمكان الذي حوّله 11 أيلول الى فراغٍ رهيبٍ غيّرَ مسار العالَم.
مؤثِّرةً راعشةً كانت وِقفتي في العَلْوة الْمطلّة على الْمكان الذي بات مسطّحاً قفراً يسمونه هنا “الأرض صفر”، دلالةً على البدء من جديد، من الصفر. كنتُ كواقفٍ في مقبرة قفراء. غير أن الْمقبرةَ فيها جثثُ من ماتوا، وهنا في الْمكان القفر جثةُ مَعْلَمٍ لم تبقَ منه حتى الْجُثَّة.
موجِعٌ هذا الْمشهد الرهيب. ولا أدخلُ في تفاصيله السياسية، لكنني أفهم جرح مدينةٍ كان فيها مَعْلَمٌ كلّفها بناؤه خمسة وعشرين عاماً ليعلو مئةً وسبع طوابق، وها هو اليوم زال حتى صفر التراب.
فكما لا أستطيع تَخيُّلَ لبنان بدون بعلبك، والقاهرة بدون الأهرام، وباريس بدون برج إيفل، وسائرَ الْمدنِ ذاتِ الْمعالِم بدون معالِمها، كذا كان شعوري وأنا أرى مانهاتن بدون برج التجارة العالَمي.
إنه جرحُ شعبٍ يدفع ثمن سياسة حكامٍ استفاقوا من صدمة 11 ايلول على معاقبة العالَم بسطوة القوة العظمى.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ أخيرٍ من هنا، منَ نيويورك… إليكم بيروت.