هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

165: حلب 2: كل حلبي دليل سياحي

الحلقة 165: انطباعات من حلب (الْجزء الثاني): كلُّ حلبيٍّ دليلٌ سياحيّ
(الْجمعة 1 تشرين الأول 2004)

اللافتُ هنا في حلب، أنَّ كلَّ مواطنٍ حلبيٍّ مرشّحٌ أن يكونَ دليلاً الى الأماكن السياحية، ويشرحَ ما أُعطي من عناوين كبرى عن الْمدينة، عن كونها عرفت الاستيطانَ البشريَّ منذ الألف التاسع قبل الْمسيح، والشكلَ الْمدينيَّ منذ العمُّوريين في الألف الرابع قبل الْمسيح ومنذئذٍ لم تنقطع فيها الْحياة، وكيف بدأت الْمدينة تُبنى وتتوسَّع حول قلعة حلب التي لم يقتحمها عنوةً أيُّ غازٍ في التاريخ، وعن أن حلب ذات يومٍ بلغت 418 هكتاراً مربّعاً، وعن خاناتها الثمانيةِ والستين الباقيةِ حتى اليوم من أصل مئة وخمسين، وعن أبوابها السبعة، وعن كنيسة الشيباني أقدم مدرسة علميّة في الْمنطقة (أسسها الفرنسيسكان عام 1879 وأصبحت اليوم متحفاً أثرياً)، وعن بيمارستان آرغون الكاملي (وهو مستشفى يرقى الى عام 1350)، وعن أن في حلب نشأ أقدمُ مصرف في الشرق، وأقدمُ غرفة تجارة، وأقدمُ قنصلية (قنصلية البندقية عام 1207)، وعن أنها الْمدينة الأولى في الآثار الإسلامية (تليها اسطمبول والقاهرة)، وعن أنها شهدت تعاقُبَ سبعٍ وثلاثين حضارة، ومرّ عليها خمسة وثلاثون زلزالاً آخرُها عام 1812، وعن كونها “هبةَ الْحجر” مثلما مصرُ “هبةُ النيل”.
ولا يسأَلُ السائحُ عن معْلَمٍ أو مكانٍ إلاّ ويلقى مواطناً حلبياً يدلُّه عليه، حتى إذا بلغه وجد من يُلقي عليه ولو عنواناً كبيراً حوله من ذاكرة التاريخ.
إنها الْمدينة التي يعتزُّ بتاريخها أبناؤُها، ويروون منه على الأقلِّ الْخطوط العريضة. ذلك أنهم نشأوا على تاريخِها وأخبارِها وعراقتِها، إذاً: على الاعتزاز بمدينتهم وأثرها في الوطن، هي التي كانت تَجمّعَ القوافلِ ومِحورَ طريق الْحرير.
أما نَحن، في لبنان الذي فيه يقول سعيد عقل أنْ “تحت كل ترابه… حكاية مجد”، فنادراً ما وجدتُ ابنَ بلدةٍ أثريةٍ شاباً من الْجيل الْجديد يعرف عن بلدته ما يقوله للسائح ولو خطوطاً عريضة.
لذلك أخشى أن نكون ذاهبين الى جيلٍ حديدٍ مسطَّحٍ أُمّيٍّ في تاريخ بلاده، لا يستقي ثقافتَه إلاّ من برامج في تلفزيونات لبنان تعمم التفاهة والسطحية والفيديوكليبات.
كنتم معي أمس واليوم في حلقتين من حلب، إليكم بيروت.