هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

164: حلب 1: زيارة إلى بيت المتنبي

الحلقة 164: انطباعات من حلب (الْجزء الأَوّل): زيارة الى بيت الْمتنبي
(الخميس 30 أيلول 2004)

لَم أَكَدْ أصلُ بيروت، آتياً من برشلونه، حتى غادرتُها الى حلب في زيارة أكاديمية، بدعوة من جمعية “العاديّات” فيها، وهي تُعنى بشؤون التاريخ والآثار.
بين أبرز الأَماكن الأثرية التي زرناها، وما أكثرَها هُنا في حلب، الْمكانُ الذي ثبُتَ أنْ كان فيه بيتُ الْمتنبي، سكَنَه تسعَ سنواتٍ لعلّها الأكثرُ خصوبةً شعرية في حياته، تكرّس خلالها لسيف الدولة فلم يقلْ بيتَ شِعرٍ واحداً في سواه، مادحاً إياه، واصفاً معاركه، راثياً ذويه، معجَباً بشخصه وجهاده، مرافقاً تَحرُّكاته، سواءً في قلعة حلب، أو في بلاطه الْمعروف بقصر الْحلبة.
فبعد أبْحاثٍ كثيرةٍ وتنقيبات، عثر رئيس جمعية العاديات الْمؤرخ الباحث محمد قجة على الْمكان الذي كان منذ فترة الْمدرسة الصلاحية مقابل خان الكتّان في منطقة آل العديم، على مساحةٍ غيرِ بعيدةٍ عن بلاط سيف الدولة الذي ضمّ، مع الْمتنبي، أكبر مَجموعة من علماء ذاك العصر، بينهم: الفارابي، الأصفهاني، الْخوارزمي، ابن خالويه، ابن جنّي، الصنوبري، كشاجم، وطبعاً: أبو فراس الْحمداني.
البيت اليوم مقرّ اللقاء الأُسريّ، برعاية اليونيسيف. زرناه فعشنا في كنفه لَحظاتِ تأمُّلٍ أن نكون في الْمكان الذي ضمَّ الْمتنبي وحاشيتَه الضخمة وغلمانَه وخيولَه وإقطاعاتِه، وفيه كتب ثلث إنتاجه الشعري: ثلاثاً وثمانين مقطوعة في سيف الدولة وقصيدة طويلةً من ألف وسبعمئة بيت.
وبسعْيٍ من جمعية العاديات في حلَب، صدر قبل أسابيع عن وزارة الثقافة في سوريا، الْمديرية العامة للآثار والْمتاحف، القرار 643 في 11 آب 2004 يقضي بإنشاء لَجنةٍ لإقامة متحف الْمتنبي في الْمكان الذي كان يقوم عليه بيته وهو اليوم في حي سويقة علي خلف خان الوزير.
هكذا تكرّمُ الْمدن ذاكرتَها، فتنشئ متاحف لِمن خلّدوا ذكرها في التاريخ، وفاءً لهم وبقاءً لها. فمتى في لبنان تكرّس وزارة الثقافة عندنا معالم الْمبدعين وفاءً لذاكرتنا الْمستقبلية؟
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخَر من هنا، من حلَب… إليكم بيروت.