هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

153: جوديات من طبيب عاصي الرحباني

الحلقة 153: جَوديات من طبيب عاصي الرحباني
(الأربعاء 15 أيلول 2004)

لَم أعجَب لسنّه المباركَة طبيباً لا يزال يعالِجُ الأجساد والأفكار، بل لذاكرةٍ أدبية لديه تَجعله متوهِّج التذكُّر، نابض التذكار، على جهوزية في الاستذكار عجيبة، وسهولةٍ في السرد لافتة.
هذا هو الدكتور فريد صوما أبو جَودة، ابنُ الثانية والتسعين، المتوقِّدُ الذهن والذكريات والمشورة الطبية، طلع علينا بكتابه “جَوديات”، باقةً من أمسٍ مضمومٍ إلى حاضر لافت.
في عشرين مقطوعةً كتبها لِمناسباتٍ مُختلفة، أقدمُها 1948 وأحدثها مطلع التسعينات. نصوصٌ طريفة يَجمع بينها نبضٌ متوقِّدٌ متوهِّجٌ من هذا الطبيب الذي طاب على يده آلاف الذين قصدوه مرضى فخرجوا من بين يديه أصحّاء.
غير أنّ أكثر نصوصه حميمية، تلك الثلاثة التي خصصها لعاصي الرحباني، وهو كان طبيبه الخاص منذ صبا عاصي وشبابه عام 1939، وكان عاصي في السادسة عشْرة، فإذا بحادثة عاصي سنة 1972 تثير في طبيبه لوعة الصدمة العاطفية البالغة. ويتذكر قول البروفسور غرو وهو يُجري العملية لعاصي إذ التفت إلى الدكتور أبو جودة الحاضر العملية بطلب من السيدة فيروز، وقال له: “هذا الفنان يملك خمسين دماغاً ودماغه غير سائر الأدمغة، وسوف يعود طبيعياً ويعود إلى الموسيقى”.
ويقول الدكتور أبو جودة: “طوال مكوث عاصي في المستشفى، لَم أُفارقه ليلاً ولا نهاراً. ولو ان أحداً غير عاصي تعرّض لهذا الحادث، لكان فقد السمع والبصر والحركة وبقي قطعة من لحم ودم وعظم”.
ويوم غاب عاصي، كتب الدكتور أبو جودة: “رفقة سبع وأربعين سنة، من الطبابة والإخلاص والثقة والإيمان والمحبة، انتهت يوم أغمض عاصي عينيه إلى الأبد”.
“جوديات” الدكتور فريد أبو جودة، ليس كتاب ذكريات وحسب. إنه باقة من نبض القلب، يقدمها لنا الدكتور فريد أبو جودة الكبير القلب والقلم. فما اسعدنا بقلبه وقلمه معاً. أطال الله بعمره المثمر.