هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

108: دور الدولة بين بوّابة المستقبل وزواريب الحاضر

الحلقة 108: دور الدولة بين بوّابة المستقبل وزواريب الحاضر
(الأربعاء 14 تَموز 2004)

توالت عليَّ الاتصالات أمس وأوّل أمس بعد حلقتَيَّ الإثنين والثلثاء عن طلاّبنا الذين يتخرجونَ من الجامعات ليصبحوا مشاريع مواطنين عاطلين عن العمل. ولامني بعضُ من اتصلوا لأنّني، قال، ألوم الدولةَ على عدم إيجادِ فُرص عملٍ للمتخرّجين.
لكنَّ الواقع غيرُ ذلك. أنا لم أطالب الدولة بأن تَجِدَ فرص عملٍ للمتخرّجين، فأنا أعرف أن هذا مستحيل، لكنّني طالبت الدولة بإنشاء جهازٍ للتوجيه يضع أمام الطلاّب مسحاً وافياً بواقِع الاختصاصات الموجودة، مُتخَمِها وفائضها وحاجاتِها، وبعدئذٍ يبقى للطلاّب الخيار في أن يَتّخذوا هذا الاختصاصَ أو ذاك، على مسؤوليّتِهم.
صحيحٌ أنّ الدولةَ ليست مُهيّأةً بهذا النوع من الأجهزة الإحصائية، إنّما يُمكنُها أن تطلب دورياً أو سنوياً من الجامعات عندنا مَسحاً مفصّلاً بالاختصاصات لديها، وعدد الطلاّب المقبلين على هذه الاختصاصات، فتستطيع الدولةُ عندئذٍ أن ترسم خطّاً بيانياً واضحاً تضعُهُ في تصرُّف جهاز توجيهٍ بدورِه يوزّعهُ على المدارس الثانوية حتّى يتبيَّن لتلامذةِ البكالوريا الختامية كيفَ يتوجّهون في اختصاصهم الجامعي.
وإذا كانت وزارة التربية والتعليم العالي سُلطة وصاية على الجامعات، فأيّةُ سلطة أجدى وأجدر من أن تُمارس الوزارة هذه السلطة، لتوزّع المنفعة على آلاف التلامذة الثانويين حتّى متى أصبحوا طلاّباً جامعيين يتبصّرون طريقهم فلا يصلون لاحقاً إلى حَمْلِ الشهادة الجامعية والحيرة بِها أمام حائط مسدود.
أعرفُ تَماماً أن ليس يُمكننا طلبُ كلِّ شيءٍ من الدولة، وأنَّ من واجبِنا أن نُساعِد نَحن الدولة على القيام بِمهمّاتِها، ولكنّني أعرفُ أيضاً بأنّ على الدولةِ أن تقوم بأبسطِ مُهمّاتِها لفتح بوّابة المستقبل، عِوَضَ أن تتلهّى في زواريب الحاضر بمشاحنات “بيت بو سياسة” اليومية، غافلةً عن الجيل الجديد الذي ينتظر منها أن تنتظره على منعطف المستقبل.
إنّ دولةً لا تَهتمُّ إلاّ بالحاضر، صائرةٌ غداً إلى الخراب عندما يَصِلُ الغدُ ولا يَجِدُها جاهزة لاستقباله.