هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

81: شكراً جزيلاً للسلطنة العثمانية

الحلقة 81: شكراً جزيلاً للسلطنة العثمانية
(الاثنين 7 حزيران 2004)

نتشدّق غالباً في أحاديثنا بالكلام على تقاليدَ عثمانية ورثناها، وكلمات عثمانية لا تزال في نسيج لغتنا، وألقاب عثمانية من طراز دولتلو وفخامتلو وسعادتلو، لا نزال نستعملها حتى اليوم لأصحاب الفخامة والسعادة والدولة، ونروح نغضب كيف حكمَتْنا السلطنة العثمانية أربعمئة سنة، وهي الرجل الْمريض، ونستخدم عبارة العثمانيين للتدليل على كل تخلّف أو تحجّر أو استبداد سلطاني.
نَحتكم الى التاريخ، فنجد ما يلي: دخل العثمانيون بلادنا سنة 1516 على أثر معركة مرج دابق وانتصار السلطان سليم الأول عل المماليك. وعام 1520 (يعني بعد أربع سنوات فقط من هذا الاحتلال العثماني) كان الباب العالي أنْجز مسحاً إحصائياً لبلادنا من يقرأه اليوم يذهل لدقته التي دلّت على عدد السكان في كل مدينة وقرية ودسكرة، وعدد البيوت وعدد المزارع والمهن والحرف، وتفاصيلَ إحصائيةٍ مدهشةِ الدقة لِمن يقرأُها اليوم في وثائق اسطمبول والمخطوطات والمحفوظات.
بعد أربعمئة سنة غادرنا العثمانيون عام 1918، وبعد نحو مئة سنة على مغادرتهم، لم نستطع أن نقوم بمسح إحصائي في بلادنا، ولا نزال نتّكل على آخر إحصاء للبنان حصل سنة 1932 أيام الانتداب الفرنسي. يعني؟ يعني تيتي تيتي: العثمانيون أجرَوا إحصاءً لنا عام 1520، والانتداب الفرنسي أجرى إحصاء لنا عام 1932. فشكراً للسلطنة العثمانية رغم سفر برلك، وشكراً للانتداب الفرنسي رغم فرضه المارسيلياز نشيداً لبنانياً.
ونحن؟ ماذا أجرينا نحن؟ هل من إحصاء دقيق اليوم لسكان لبنان: مقيميهم والمغتربين والمنتشرين والمتحدرين؟ ولماذا؟ لنقص في العناصر البشرية؟ أبداً. فهذا الفائض العاطل عن العمل من جيش موظفي الدولة والمديرين العامين الموضوعين في التصرف، ماذا يفعلون غير قبض معاشاتهم آخر الشهر من خزينة الدولة وهم لا ينتجون للدولة بليرة لبنانية واحدة؟
إن دولة تعيش بلا إحصاء دقيق لسكانها، دولةٌ تعيش بلا ذاكرة للمستقبل.
ويا تعس دولة تعيش على إحصاء الماضي، ولا تخطط اليوم لذاكرة المستقبل.