هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

80: يدخّنون يدخّنون… ويموتون وُقوفاً

الحلقة 80: يدخّنون يدخّنون… ويَموتون وُقوفاً
(الجمعة 4 حزيران 2004)

عن آخر إحصاءٍ أذاعته الْمنظمة الدولية لِمكافحة التدخين، لِمناسبة اليوم العالَمي لِمكافحة التدخين، أنّ شخصاً في العالَم يَموت كلَّ ست ثوانٍ بسبب التدخين.
ها هي الأرقام الْمخيفة تصفعنا بالْحقائق العلمية: كلَّ ست ثوانٍ يقتل التدخين شخصاً في العالَم. ومع ذلك، لا يزال الْمدخّنون يدخّنون، ووقوفاً يَموتون، ولا تزال اللافتات الكبرى في الشوارع تغري الناس بالتدخين، وإعلانات التلفزيون تقدم لهم مغريات التدخين، مرةً بنوع دخانٍ مُخفَّف، ومرة بِحوّاء بركانيةٍ تُغوي بسيجارة، ومرة برجولةٍ على حصانٍ تعكس متعة التدخين.
كلَّ ست ثوان يَموت مدخّن، وقد لا يكون مدخّناً بل تسمم بالتدخين من مُحيطه الْمدخّن. وهنا الوقاحة الكبرى التي لم يفهمها بعدُ الْمدخّنون، أنّهم لا يتسمَّمون لوحدهم ولا يَموتون لوحدهم بل يسمّمون ويُميتون، فبأيّ حق ينشرون الْموت حولهم إن كانوا هم مرتضين أن يَموتوا.
بعدَ أكثرَ من حلقة سابقةٍ هاجمتُ فيها التدخين، عاتبني مدخنون بأنني أتعدّى على حريتهم، وبأنّهم أحرارٌ في أن يدخّنوا. وهذا صحيح. غير أنّ حملتي ليست عليهم لأنهم يدخنون، فهذه حريّتهم الكاملة، لكن حريتهم تقف عند حدود التعدي على الآخرين حين ينفثون سمومهم في جو الْمكان فيتلقّفها غير الْمدخّنين ويتنشقونها ويوسخون ثيابهم وشعرهم ويصبحون كأنهم يدخنون وهم لا يدخنون.
غضبنا على الْمدخّنين، لا في شخصهم بل في الضرر الذي يُلحقونه بغير الْمدخّنين. فلو كانت السيجارة علكة يعلكونها لَما تدخّلْنا، ولو كانت حبّة يَمتصونها لَما تدخَّلْنا. لكننا نتدخل عندما تنفلش حريتهم على الإضرار بالآخرين. ونرفض منطق الْمدخّنين بقولهم “فليبتعد عنا من لا يدخن”. الأجدر: أن يبتعدوا هم عمن لا يدخنون.
إن التدخين لم يعُد إدماناً، بل بات مرضاً، ومرضاً معدياً كالسل والطاعون والبَرَص، ولا عجب إن بدأ الناس يهربون من عشرة الْمدخّنين ويبتعدون عن أماكنَ فيها مدخنون، قرفاً من الإصابة بالْمرض وهم أصحاء، ولا يريدون أن يصابوا بِمرضٍ فتاك يقتل شخصاً كل ستّ ثوانٍ، مرضٍ مُقرفٍ أين منه السلّ والبرص والطاعون.