هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

68: طريق مغارة جعيتا… مهوار مخيف ومَكبّ نفايات

الحلقة 68 : طريق مغارة جعيتا… مهوار مخيف ومَكب نفايات
(الأربعاء 19 أيار 2004)

كانت دهشتُها فائقة فوق كل كلام، وهي تتجوّل في واحة جعيتا الفريدة: الْمغارة العليا بهذه التماثيل الْمذهلة تَجمّعت نقطةً نقطةً منذ آلاف السنين، هوابط التقت بصواعد فالتحمت بالتقائها أشكالٌ تُمجّد الله في قصيدته الرائعة الْمهداة الى طبيعة لبنان، والْمغارة السفلى نقلها فيها الْمركب في رحلةٍ مائيةٍ كأنها ليست من هذا العالم، وخروجاً من الْمغارتين في واحةٍ طبيعية جعلتْها شركة “ماباس” جنّةً صغيرةً مُجهَّزةً بأفضل الْخيارات: من التلفريك الْجميل فوق سرير النهر، الى غرفة الفيلم يشرح عن عجائب جعيتا، الى الْمطعم الْمجهّز بأطايب الْمأكولات اللبنانية وبأفضل الْحِرَف اللبنانية، الى الطيور تطالع الزائر على الطريق، الى نظافةٍ تلفت الزائر بِحضاريتّها، الى تهذيب موظفي “ماباس” منذ الوصول الى الْمغادرة…
كل هذه لفتتها، فشكَرَت زوجها اللبناني جاء بِها الى هذه الواحة الْمذهلة الْجمال، وهي تزور للمرة الأُولى بلاد زوجها الذي كم حدّثها عن أنّ لبنان وطن لؤلؤةٌ على خصر هذا الْمتوسّط.
لكنها، في طريق العودة، لم تفهم ولا زوجها عرَف كيف يُفهِمها أن تكون الطريق الى مغارة جعيتا، منذ نهر الكلب الى مدخل الْمغارة، أشبه بِجلّ بطاطا مُحَفَّر، ولا فهمَت لِماذا الطريق الى الْمغارة منذ مفرق جعيتا الى مدخل الْمغارة، بدون حافةٍ على جنْب الطريق تقي الزائر رعب الْمهوار في الوادي، ولا فهمَت أن تَمتلئ الطريقُ الى مغارة جعيتا بأكوام النُّفايات الْمقرفة ولا رادع ولا مانع ولا حسيب، ولا ضمير ينتفض لِمنع تشويه الطبيعة هديةِ الله، بزبائل الناس ونُفاياتهم تزداد يوماً بعد يوم حتى باتت جبلاً من القرف في وجه الْجبل الأخضر الْمطل في البعيد.
لم تفهم هذه الأجنبية الشابة، ولا زوجُها اللبناني الشاب عرَف كيف يُجيبُها. فالْمنطق في بلادها غير الْمنطق في بلاده، ومنطقها يقول إن موقعاً مثلَ جعيتا، لو كان في بلادها هناك، لكان لوحده يستقطب سيّاحاً يشكّلون لوحدهم مورداً يسُدّ أيّ عجزٍ في أية خزينةٍ مهما تراكمت… مليارات ديونها.