هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

28: وقفة الذلّ في مكاتب الضمان الاجتماعي

الحلقة 28: وقفة الذل في مكاتب الضمان الاجتماعي
(الأربعاء 24 آذار 2004)

حين تأسس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كانت الفكرةُ الأُولى منه التخفيفَ عن الْمواطن، وتسهيلَ شؤون حياته، ورفع الضغط الْمالي عن مدفوعاته.
والْحاصلُ أن تتناهى إلينا شكاوى موجعةٌ عن معاملةٍ مُجحفةٍ يلقاها الْمواطنون في بعض مكاتب الضمان الاجتماعي، مصدرُها أوّلاً وأخيراً بعض الْموظفين (كي لا نعمِّم) يتعاملون مع الْمواطنين بفوقيةٍ وقحة، أو إهمالٍ دنيء، أو سوءِ معاملةٍ يجعل الْمواطن ذليلاً كأنه جاء يطلب حسَنة أو هبةً أو إعاشة، بينما الْمواطن هو السيد في هذا الْموقف، والْموظف هو خادِمُ الْمواطن، يتقاضى راتبه من مال هذا الْمواطن، لكي يَخدمَ الْمواطن لا كي يُذِلَّه.
ومن يأتي الى الضمان الاجتماعي، ليس مواطناً في جيبه دفتر شيكات، ولا سيدةٌ ترسل شوفورها الى السوبر ماركت ليشتري لها علكة، بل هو مواطن مسكين يحمل كرتونة الدواء الفارغة كي يسترد بعض ثمنها فيشتري بهذا البعض رغيفاً لعائلته، أو دواءً آخر لِمرض قد يكون مستعصياً.
فما معنى أن يتكدّس الْمواطنون في مداخل الضمان الاجتماعي أو على الدرج أو في أروقة منتنة بروائح الدخان والزبائل، أرضها مليئة مزقاً من كرتون علب الأدوية ولا من يكنّس ولا ينظف، والانتظار طويلٌ طويلٌ طويل، والْمرضى الْمساكين يؤذيهم الوقوف أو التسكّع، وكل ذلك لأن الْموظف يتمهّل في أكل منقوشة الصباح، أو يُمزمز فنجان قهوته مع السيجارة، أو يطقطق بمسبحته وهو يُحادث صديقته بالسلولر، أو انه لم يأت بعد الى مكتبه وربما لن يأتي اليوم، ولينتظر من ينتظر. وإذا جاء، فالتدوين بالقلم على الدفاتر، لأن الْمكننة لم تصل بعدُ الى جميع دوائر الضمان الاجتماعي.
هذا نموذجٌ من مآسٍ يومية يشهدها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.طبعاً لا نعمّم، ولكنَّ الكسالى والتنابل يعرفون أنهم معنيّون، والْمواظبين يعرفون أنهم غير معنيين بهذا الكلام، لكن الْمعنيَّ الأساس، في هَمِّنا، هو هذا الْمواطن الْمسكين الذي يُذَلُّ في مكاتب ضمانٍ اجتماعي وُجِدَ لإراحة الْمواطن لا لِجرّه أمام موظفٍ تافهٍ يُمارس عليه فوقية القهر والإذلال.