هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

608: … والشِّعر، حتّى الشعر، للجميع وللصغار

… والشعر، حتى الشعر، للجميع وللصغار
السبت 1 آب 2009
– 608 –
لم يعُد جديداً تنويهُنا بأهمية مواقع إلكترونية تخدم “التعليم للجميع” و”الثقافة للجميع” و”الموسيقى للجميع” و”الفنون التشكيلية للجميع”، بعدما بات هذا الفضاء السيبيرنيتيّ (cybernétique) يفتح آفاقاً لا إلى حدود، تُمسك بالمتلقّي وتذهب به من فضاء إلى آخر حتى يبلغ مرتجاه، أو يتلقّى مبتغاه، أو يتلقّف منتقاه.
الجديد السعيد في هذا السياق: مواقع إلكترونية مُخصَّصة للشعر (غير تلك التي تنشر شعراً، فهذه عادية) تقدِّم للمتلقّي تقنيات الشعر وأساليبه وطرائقه، مع نماذج واضحة، وفي بعضها تمارين كما في حلقات الكتابة الإبداعية.
فهي تنشر أساليبَ الشعر، وأنواعَه، وكيفيةَ قراءة القصيدة عُمقيّاً، وتَحديدَ أنماط الشعر، ومشروعَ كتابة قصيدة مع مروحة خيارات لكتابتها وتقطيعها وطريقتها، والعملَ على القوافي وحسن اختيارها ومعرفة انتقائها، والتقنيةَ الحروفية الدقيقة بين النثر (السجع) وبين الأبيات (القوافي)، وخصائصَ القوافي وحروفها المتناغمة في ما بينها وبين القوافي الأخرى في الأبيات السابقة واللاحقة، واقتراحاتٍ لقوافٍ من عائلة واحدة وأخرى من نسيج واحد، والأشكالَ المختلفة للقصيدة ومقاطعها (ثنائيات، ثلاثيات، رباعيات،…) وجوازاتها ونماذج في كل معطى من شعراء مكرَّسين استشهاداً بأنماط كتاباتهم واستخدامهم الجوازات والقوافي والتقطيع، والأساليبَ البيانية والعروضية والبلاغية ومُحسّنات الفصاحة التي تَجعل الشِعر شِعراً أجمل.
وأكثر: في معظم هذه المواقع فصولٌ إلكترونية مُخصصة للصغار وتعليمهم وتلقينهم الشعر عبر ألعابٍ لفظية وتعبيرية بألوانٍ وطرق غرافيكية جذابة تجعل الصغار يُقْبلون على اقتبال تعلُّم الشعر من دون نفور ولا استهجان. وفي المواقع أيضاً نماذج شعرية للصغار مكتوبةٌ ملوّنةٌ مع رسوم متحركة وثابتة، تقدّم لهم أنواع الشعر وأشكاله وقوافيه (كاستخدامهم ألعاباً بصرية للقوافي كي تصبح حاجة لذيذة لكتابتهم الشعر)، وتقديم نماذج شعرية من شعراء كبار مع سِيَرهم الذاتية، معروضةً بأسلوبٍ مشوِّق بصرياً ومشروح تفصيلياً بقاموس من أعمارهم الطرية يَجعلهم يَحفظون القصيدة في هناءة الاقتبال السعيد.
وأكثر بعد: في بعض المواقع فصولٌ مُخصَّصة للمعلّمين، وطرق تعليمهم الصغار فنّ الشعر بالصور والرسوم والحزازير والنماذج السهلة والتمارين السائغة غير المعقَّدة، وأمثولات نَموذجية ودروس تطبيقية مبسَّطة، وروابط تؤدي بهم إلى مواقع أخرى عن الشعر وتعليمه، ما يَجعل التلامذة يستلذُّون درس الشعر ويقبلون عليه في فرح ورغبة.
الشاهد من كل هذا: الفارق بين نظرة الآخرين إلى الشعر (واهتمامهم به ودأْبِهم على تقديمه بأفضل الطرق إلى الصغار والكبار)، وبين ما عندنا من إهمال للشعر في المدارس وكتب المدارس ومناهج المدارس، ما يَجعل الشعر عندنا ثانوياً في تعليمه، ثانوياً في اعتماده، وثانوياً في إعطائه لتلامذة سرعان ما يشيحون عنه لسوء تقديمه في الصف أو في الكتب المدرسية.
صحيح أن في المنهاج الرسمي ضرورةَ إعطاء الشعر في الصف “تَمريناً للذاكرة، ولصقل الذائقة الجمالية”، لكن معظم القصائد في كتُبنا المدرسية سيّئة الاختيار والتقديم والإخراج والشرح، ينفر منها التلامذة، ويلغيها معظم المعلمين من صفوفهم لأنها غير مطلوبة في الامتحانات الرسمية أو المدرسية.
ها هو العالَم يتعامَل مع الشِعر فناً ضرورياً يتلقّنه الصغار ويتلقّفه الكبار (أُسوةً بحرصه على تقديم الموسيقى والمسرح والفنون التشيكلية رسماً ونَحتاً) ويُخصص له (عدا كتب شعرية جميلة الإخراج) مواقع إلكترونية سائغة تعلّم تقنية الشعر (ولا تنشره فقط) حتى يكبرَ أبناء الجيل الجديد على حُب الشعر، فيكونوا للشعر جمهورَه المقبل، وللشعراء متلقّيهم ومتلقّفيهم ومتابعيهم، ويكونَ الشعر جزءاً من ثقافتهم الإبداعية. وهنيئاً لجيلٍ يكبر على حُبّ الشعر، لا تَذَوُّقاً وحسب بل خبرةً حتى في نسيجه الكتابي.