هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

601: المتاحف واحاتٌ حياتية وليست “متحفية”

المتاحف واحاتٌ حياتية وليست “متحفية”
السبت 13 حزيران 2009
– 601 –
في 18 أيار الماضي أعلن “المجلس الدولي للمتاحف” و”الاتحاد العالمي لأصدقاء المتاحف” إطلاق 2009 “سَنَةَ المتاحف والسياحة”. ومنذئذٍ فتحَت آلاف المتاحف في العالم أبوابَها احتفاءً بـ”السياحة المستدامة المسؤولة والأخلاقية” تأكيداً لـ”كيف يُؤسس التراث علاقاتٍ جديدةً متبادلةَ الفائدة بين سيّاح وأهل مُجتمع مَحلي نادراً ما يضمهم جامع مشترك لتغذية التنمية المستدامة”. من هنا تصريح ألكسندرا كومِنْز (رئيسة “المجلس الدولي للمتاحف”) أنّ “هذه العلاقة مهمَّة جداً لتراثٍ هو هويتُنا الحقيقية المشتركة بين إنسانيتنا العالَمية ومُجتمعنا المحليّ، وهو ما يُحب الناس أن يفكِّروا به عن ذواتهم، وهو حريَّتهم في التعبير عنه. فالمهم ليس المعروض في ذاته بل سيرتُهُ والحياة التي دارت حوله، وهنا أهمية أن تكون في المتحف تفاصيل الحياة اليومية. وشعارنا هذا العام: المتاحف والسياحة، يشجّع مُحترفي المتاحف والمتطوِّعين أن يعملوا معاً للسيّاح والزوار لإيجاد تفاعل مع مُجتمع مَحليٍّ يتسنّى له، بذلك، أن يكتشف تراثه داخل المتاحف وخارجها”.
وكان “المجلس الدولي للمتاحف” أسّس سنة 1977 “النهار العالمي للمتاحف” لتحفيز الجمهور على دور المتاحف في إنماء المجتمع، وأخذت تلبّي الدعوةَ متاحفُ عامّةٌ كثيرةٌ حتى بلغَت سنة 2008 نحو 20 ألف متحف في 90 بلداً من العالم.
في هذا السياق النبيل انفتحَت في العالم أبوابُ متاحف خاصة أنشأَها هُواة تَجميعٍ (كما في فرنسا) شاؤوا أن يشاركوا الآخرين في هوايتهم الراقية هذه، كي يُتيحوا للزوار والسياح دخول متاحف خاصة ذات “تَجميعاتٍ” غريبة وطريفة لا يدعمها القطاعُ العام بل أَصحابُها الذين يعيِّشونَها ولا يعتاشون منها، والأدلّة فيها يشرحون للروّاد تاريخ القطع المعروضة، ومعظمها من عقود غابرة انقرضت مظاهرها اليوم (أدواتٌ، أَوانٍ، أغراضٌ، آلاتٌ، قِطعٌ، …) يكتشفُها الزوار، وخصوصاً الجيل الجديد من التلامذة والطلاّب، كـ”متحف المهن التجارية” في فرنسا (مُقاطعة “شارانت ماريتيم” في الجنوب الغربي) يكتشف فيه الجيل الجديد كيف كانت دكاكين تلك المهن (المصابغ، النجارة، الحدادة،…) عند مطلع القرن العشرين، بأثاثها الخشبي وزجاجياتها الطريفة وعلبها المعدنية وكلماتٍ لها وأسماء وتسميات، معظمها إلى انقراض ونسيان، يجهلها أبناء جيل اليوم، وإذ يكتشفونَها يستعيدون صفحاتٍ غابرةً من هويتهم كانت ستغيب عنهم لو لَم يزوروا هذا المتحف وأشباهه من متاحفَ جامعةٍ تراثَ الماضي ذخيرةً لدخول المستقبل. وإذا كانت هذه المتاحف (في فرنسا) موسومةً بـ”الصغرى” (قياساً على المتاحف العامة الكبرى) فهي كبيرة بِما تقدّمه من غنى سياحي وثقافي وتراثي يُثري ذهن الزوار وذاكرتَهم الجماعية.
وفي هذا السياق أيضاً شهدت بلجيكا الأسبوع الماضي افتتاح متحفين خاصّين لافتين: في لوڤين متحف هيرجيه (جورج پروسپير ريمي: 1907-1983، خالق شخصية “تان تان” الشهيرة برسومٍ أصبحت في ما بعد رسوماً متحركة) وفي بروكسيل متحف ماغريت (الرسام السوريالي رينيه ماغريت: 1898-1967، الشهير بأعماله الغرائبية الطريفة والمثيرة، وصاحب نظرية “ما تراه ليس ما تراه، بل هو صورته”). ومنذ افتتاحهما معاً (2 حزيران الجاري) يستقطبان جمهوراً كثيفاً يتابع فيهما عبقرية هيرجيه الذي خَلَّدَ الشخصية الأسطورية (“تان تان” وكلبه “ميلو”) طوال عقود من ذاكرة الأولاد، وعبقرية ماغريت الذي لا يزال يشغل الوسط التشكيلي السوريالي بصوَره ورسومه و”أغراضه” ذات الأسئلة التي تصعب الإجابة عنها.
الشاهد من كلّ هذا أعلاه، أنّ المتاحف ليست “متحفية” فقط جامدة للأمور المحنّطة القديمة (تاريخية أو أثرية) بل هي واحاتٌ حياتيةٌ ثقافيةٌ تثقيفيةٌ ذاتُ ارتباط عضوي بالمجتمع، وفي خدمة مُجتمع يرى فيها تفاصيلَ نابضةً من حياته اليومية وتاريخه وتراثه “الحيّ” (لا “المتحفي” وحده).
هكذا تكون المتاحف في خدمة المجتمع، لا المجتمع في خدمة المتاحف.