هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

592: المبدعون هم القادة، والسياسيون يتبعون

المبدعون هم القادة، والسياسيون يتبعون
السبت 11 نيسان 2009
– 592 –
عند كل منعطف مصيري، يتكرّر سؤال: “ما دور المثقّف في الأزمات؟ وهل فعلاً له دور”؟ وتتتالى الأجوبة من كل مثقَّف وفق موقعه، ومن كل قلم وفق ميوله. شخصياً: لا أرى أفقاً للمثقَّف المبدع إلاّ واحداً: دوره في التوعية على كيان لبنان.
الراهن اليوم وجه لبنان: لبنان الكيان، لبنان الصيغة، لبنان النظام، لبنان الرسالة الحضارية لكل مُحيطه.
على المثقّف اليوم، مبدعاً أو متلقّياً، الالتزام بهذا الوجه للبنان، لبنان الذي (أخيراً!!!) تنبّه إليه ساسةٌ فيه فأعلنوا إيمانهم (أكاد أقول: تابوا بل ثابوا الى إيمانهم) بـ”لبنان أولاً”، وباتوا به يبشِّرون، وإليه يَدْعُون، بعدما (طوال حقبات متتالية) أشاحوا عنه الى قياداتِ آخرين وقومياتِ آخرين وهوياتِ آخرين وأوطانِ آخرين، نادوا بها وجاهروا بها وتظاهرون لأجلها واعتصموا في سبيلها وأعلنوا ولاءهم لها، مشيحين عن الولاء للبنانهم انقياداً لهذا أو ذاك من زعماء العرب أو الغرب، أو انقياداً لهذه أو تلك من القوميات، أو انتماءً الى هذه أو تلك من الإيديولوجيات، حتى ثبُت لهم (متأخرين؟ لا يهمّ، المهمّ: فهموا) أنّ وطنهم لبنان كاد يزحل منهم ليتركهم بعده مهمَّشين على أرصفة بلدان وأعتاب دول، فهرعوا الى الجهر بتوبتهم وإيمانهم بـ”لبنان أولاً”.
على المثقّف المبدع وعيُ دوره الرئيس: أنه هو القائد الفعلي للرأي العام، وهو الذي يعرف كيف يحلم بوطن سعيد. الرأي العام يتأثَّر بالمبدع أكثر مِمّا بكثيرين من أهل السياسة أثبت كثيرون بينهم إفلاسهم وترهُّلهم الفكري وعقم تصوُّرهم وعجزهم عن بناء الوطن السعيد.
المبدع هو الرائد. فليجهرْ بلبنان الوطن والوجه والكيان والهوية والرسالة، وليعلنْ رأيه في كل مَحفل ومناسبة ومنبر، ولتتوقّف المناداة بأوطان الآخرين قبل وطننا، والارتماء في أحضان إيديولوجيات تذيب وطننا في مُحيطه فيذوب هويةً وكياناً ويصبح نقطة يَجرفها مُحيطه. على المثقّفين المبدعين أن يقودوا شعبهم الى الإيمان بلبنان الذي لا سقف لهم سواه، ولا أرض لهم سواه، ولتسقط الإيديولوجيات أمام آخر طفل من شعب لبنان، وآخر شبر من أرض لبنان، وأعتق زيتونة وسنديانة من بساتين لبنان، وليفهم المثقّفون، ومن ورائهم السياسيّون، أن التمسُّك بالوطن لا يكون بالشعارات ولا بالشعائر والشعائر المضادة، بل ببناء جيل جديد يؤمن أن وطنه هو لبنان (المنبسط على مُحيطه رائداً لا الذائب فيه تابعاً ولا المنعزل عنه متقوقعاً)، لبنان بدون أية هوية أخرى يُلصقونَها به، وبدون المقولة السخيفة: “لبنان وطن نِهائي للبنانيين”. فهل يقال لأميركي إنّ الولايات المتحدة هي الوطن النهائي للأميركيين، أو لألماني إنّ ألْمانيا هي الوطن النهائي للألمان؟ وكيف سيقتبل هذا القول البديهي الذي ليس يَحتاج الى إثباتٍ ولا حتى الى ذكْر؟ من الطبيعي، في منطقه، أن تكون الولايات المتحدة وطن الأميركيين وألمانيا وطن الألمان، فلماذا الحاجة عندنا الى تأكيد (أو إثبات) بداهةٍ نافلة أنّ “لبنان للّبنانيين”، إلاّ إذا كانت درءاً لسياسيين وإيديولوجيين قدّموا أوطان الآخرين على وطنهم لبنان، والحاصل: لا هُم انتموا، مُواطنياً، الى تلك الأوطان، ولا هي قبلَت بِهم مواطنيها، ولا عادوا مقتنعين بانتمائهم الى وطنهم لبنان، فباتوا على أرصفة اللامكان، وعندئذ استفاقوا فتابُوا صارخين: “لبنان أولاً”.
دور المثقّفين اليوم؟ أن يضيئوا على هذا الأمر: لبنان الوجه والكيان والهوية والرسالة، وأن يؤثّروا هم في السياسيين، فيكونوا قادةً ضالعين لا أزلاماً تابعين.
قادة الرأي العام الحقيقيون في التاريخ هم المثقّفون المبدعون.
هذا هو دورهم فليقوموا بـه.
وإذا ارتضوا أن يظلّوا أتباع السياسيين والسياسيون يقودونَهم، فلا كان هؤلاء، ولا كانوا هم مثقّفين.