هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

588: من أقصى هموم العصر: التعليم للجميع

من أقسى هموم العصر: التعليم للجميع
الاثنين 16 آذار 2009
– 588 –
في 17 تموز 2006 انتهت “قمة الثمانية” في سانت پـيترسبورغ بمقررات “التربية من أجل مجتمع تَجديديّ في القرن الحادي والعشرين” ووضع الخبراء المجتمعون أسسَ نُظُمٍ “للتربية والتعليم وتوجيهها نحو المستقبل”، استندت الى تقرير مؤتمر جومتْيِن (تايلندا: 5-9 آذار 1990) وفيه (يومها) أن “104 ملايين ولد في البلدان الفقيرة (بينهم 60 مليون فتاة) متروكون بدون مدرسة ابتدائية، ونحو 960 مليون شخص (ثلثاهم من النساء) يعانون من الأُمية”.
وبِما أن شرعة حقوق الإنسان نصَّت على أنّ “لكل إنسانٍ الحقَّ في التعلُّم”، انطلاقاً من أنّ “التعلُّم حقٌّ للجميع في أيِّ سنّ وأيّ بلاد”، وأنّ “التعلُّم يُسهم في تحسين المجتمع (الأمن والصحة والرفاه والتوازن الاقتصادي)، ويُؤمِّن التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ويشيع التسامُح والتعاون الدولي”، عدا أنّ “التعلّم ضروريٌّ وأساسيٌّ لإنماء الفرد والمجتمع ووعي التراث الثقافي”، وما يعانيه هذا القطاع في العالم من “نقص خطير يهدد إمكان مواجهة معضلات العصر”، عمدت منظمة الأونسكو الى قيادة حملة دولية (بين اليوم و2015) عنوانُها:”التعليم للجميع” ترمي الى تأمين حاجات التعلُّم لجميع الأولاد من جميع الأعمار.
بلوغاً الى سنة 2015، وأمام “غُول” الجهل والأُمِّيَّة الهاجم على جزء عضوي من البشرية، يتداعى المسؤولون الى التأكيد على “التعليم للجميع”، بدءاً من أوسلو قبل أسابيع (17/12/2008) حين اجتمع وزراءُ التربية والتعليم وخبراء المجتمع المدني وتداولوا في الأزمة المالية العالمية، وخرجوا من اجتماعهم بسلسلة خطط تشمل تخصيص 15 الى 20 في المئة من الميزانية لإنفاقها على التعليم والتربية، وحَثّ الدول على زيادة المساعدات في هذا الحقل، وإعطاء أولوية للاستثمار التربوي.
وقبل أشهر شهد مقر الأُمم المتحدة في نيويورك (22/9/2008) اجتماعَ نَحو 100 رئيس دولة وحكومة ورؤساء مؤسسات تربوية لبحث أفضل الطرق والوسائط لوضع الشرعة التي تؤول الى تحسين الوضع التعلمي والتربوي.
وفي مطلع هذا الشهر (3 آذار – مقرّ الأونسكو- باريس) اجتمع خبراء تربية وتعليم من الدول المانحة وشكَّلوا لجنة لتدريب المعلمين على “التعليم للجميع” وتنسيق الجهود للخروج بشرعة تتعمَّم على المعلّمين في كل العالم.
في لبنان تتجلّى هذه المشكلة بِما يعانيه مُجتمعنا من تسَرُّب مدرسي بات يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل أولادنا، حين نكتشف أن 20 ألف تلميذ بين 2006 و2008 تركوا المدرسة الى التدريب المهني والعمل في سن مبكرة قبل أن يتمكَّنوا من اكتساب أدنى حدٍّ في القراءة أو الكتابة. ومن الأسباب: عدم الرغبة في المتابعة، عبثية بعض المناهج التربوية، عدم ملاءمة أنظمة التقييم، الاعتقاد ببلوغهم سن العمل، ارتفاع كلفة التعليم، ظروف عائلية أو إعاقة جسدية، أو تركهم المدرسة قسراً بطلب من الأهل إذا كانت الأسرةُ كبيرةً والوالدُ مضطراً لـ”تشغيل” عدد من الأولاد دون آخرين. وهنا دور الدولة في متابعة هذه الظاهرة والسهر على “التعليم الإلزامي” الذي يعطي الأولاد مهارات وكفايات تُهيِّئُهم (لا قبل سن الثانية عشرة) للدخول الى الميدان المهني والتقني لاكتساب خبرات مهنية تؤهِّلهم دخول سوق العمل فلا ينتهون عاطلين عن العمل عالَّةً على أهلهم والمجتمع والدولة. وشعار “مقعَد لكل تلميذ” يبقى مفْرَغاً من مضمونه إن لم تبادر الدولة الى دراسة ديموغرافيّة تطبيقية سيظهر فيها واقعُ أنّ في مناطقَ من لبنان كثافةً سكانية لا مدرسة لها، وأن إلزامية التعليم لا تتحقق إن لم يتحقّق قبلها وضع لوجستي يؤمّن المدرسة والمدرّسين في ظروف سليمة يمكن معها تطبيقُ التعليم الإلزامي، والحَدُّ من التسرُّب والرسوب، وتأمينُ التعليم للجميع. إنّ بين براعمنا الصغيرة مهاراتٍ فكريةً وذهنيةً كثيرةً تنتظر أن تتفتّح، فلا خيرَ من مُجتمع يتطوّر نصفه الجليّ نَحو العصر، ويبقى نصفٌ منه خفيٌّ يعاني من فقدان الحلول النافذة لأحد أقسى هموم العصر: التعليم للجميع.