هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

564: غير الرياضة؟ الكورال للجيل الجديد

غير الرياضة؟ الكورال للجيل الجديد
السبت 20 أيلول 2008
– 564 –
لستُ من هواة الرياضة ولا مُمارسيها ولا حتى متتبّعي أخبارها وأعلامها ومعالِمها. غير أنني واعٍ تماماً أهميةَ الرياضة في الجمع بين الرياضيين، لا على أراضي الملاعب وحسب، بل النفسيةَ الرياضية والروحَ الرياضية والمسلكيةَ الرياضية التي تنشأ بين فريقين متنافسين أو بين أعضاء الفرق الرياضية والمهرجانات والدورات الرياضية في حيثما تَجري. من هنا قناعتي بتنشيط هذه الروح الرياضية السلمية في صفوف الجيل الجديد من شبابنا وصبايانا، فتتهذَّب مناقبيَّتهم وتتدوّر زوايا غرائزهم المذهبية والدينية والسياسية والمناطقية لتصبح دوائر سائغة تتقبَّل الآخر وتتفاهم وتتفهَّم وتنفهم، وتتلاشى (الى حدِّها الجليّ) خصومات وأحقاد وغرائز حالية تدمِّر جيلنا الجديد بِما يزرعه في صباياه وشبابه سياسيون يُحرقون جيل لبنان المستقبل ليشعلوا سيجارات زعاماتهم السياسية والحزبية والدينية والمذهبية، فيجعلون شبابنا وصبايانا قطعاناً لديهم، وحبوباً في مسابحهم، وحطباً في مواقدهم، وجسوراً بشريةً الى مآربهم وكراسيهم، ويوغرون صدور أبنائنا بالحقد وحماسة التفرقة الغبية العمياء ضدّ بعضهم البعض.
من هنا أهمية تشجيع الرياضة وروحها في النوادي والمدارس والجامعات والقرى والمدن، وهو حاصل الى حدّ كبير.
لكنّ لدينا (غير الرياضة) فسحةً أخرى تُهذّب الروح والمناقبية والمسلكية والذائقة الفنية والحس الحضاري. إنها الكورال.
فبعدما وعيتُ تماماً “تكوينة” الكورال وفوائدَها الفنية والمسلكية والانضباطية، من خلال متابعتي “كورال الفيحاء”، وحضوري مسابقة الكورالات العالَمية في وارسو (بولونيا) وحضوري مهرجان الكورالات العربية في پـترا (الأردن)، أرى أن الجوقات الكورالية (كالفِرَق الرياضية) توحّد بين أبنائنا وبناتنا في أروع بوتقة. فالكورال (بأدائها الجماعي) تُمَتِّن بين أعضائها روحَ الانضباط والنظام والانتظام والتنظيم، واحترامَ الوقت والتوقيت، والاعتيادَ على الانصياع (لقائد الجوقة)، وإلغاءَ الفردية والذاتية، والشعورَ مع السوى، وتنميةَ الشخصية الجماعية، والتعمُّقَ في حُب الموسيقى، وذوبانَ الـ”أنا” في الـ”سوى”، والإحساسَ بالكلمة (لا شخصانية ولا انفرادية بل غيرية وعطاء)، والحسَّ بالإيقاع، وتنظيمَ العقل، واستخدامَ المقاييس العلمية والقياسات العقلية الماتيماتيكية في خدمة الإبداع، واحترامَ العمل الفني (تأليفاً وتوزيعاً وإنشاداً جماعياً وإفرادياً)، وتعدُّدَ الإيقاعات في وحدة الأداء، فيندمج أعضاء الجوقة وتنتفي الفروقات وتنكسر المسافات والحواجز والحدود وتتوحَّد الأصوات المختلفة بالتصويت الموحَّد (الڤوكاليز)، وتندمج الولايات الزاروبية الضيِّقة في رحابة عملٍ جماعي واحد يتوحّد فيه التعبير الصوتي فتكون الموسيقى لغة واحدة موحَّدة وموحِّدة ووحيدة تجمع بين بنات لبنان وأبنائه، تطوّر عقلهم وحسهم وعواطفهم فيترهَّف المواطن وينصقل وينضج ويسمو فيعلو عن الصغائر والحساسيات السياسية والحزبية والمذهبية والدينية.
الرياضة توحد بين لاعبيها؟ صحيح. والكورال أيضاً توحد بين منشديها. فليُبادر في لبنان قياديو المجتمع المدني والأهلي الى تشجيع إنشاء الكورالات في كل حيٍّ ومدرسة وجامعة ونادٍ ومؤسسة وجمعية وأية خليّة ناشطة من خلايا المجتمع. إن في جمع عناصر الكورال رسالةً عظيمةً لتوحيد القلوب والنفوس تمهيداً لِمحو رواسب الزبائل والنفايات والأوساخ والأحقاد والضغائن وجراثيم نفسية ينغمس فيها جيلنا الجديد وهو منساقٌ قطعانياً ببغاوياً عميانياً وراء سياسيين من هنا أو هناك أو هنالك، فيتفرَّق أولادنا اصطفافيين مسعورين ضدّ بعضهم البعض، ويسقط منهم ضحايا وجرحى ومعاقون وينثلم مستقبلهم عميقاً.
فلْنُنْقِذْ أولادنا من هذا التلوث السياسي القاتل بانضوائِهم (عدا الرياضة) في تآلف الجوقات الكورالية الذي يجعل منهم جيلاً مرهفاً بعظمة الموسيقى، هذه التي لا يُمكن أن يَخترقها أيُّ تلوث سياسيّ.