هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

540: فلنتّعظ: حتّى قبرص ستطلّق “القبرصة”

فلنتّعـظ: حتى قبرص ستطلِّق “القَبْرَصَة”
السبت 29 آذار 2008
– 540 –
صباح السبت الماضي (22 آذار الجاري) طالعتْنا “النهار” على صدر صفحتها الأُولى بصورة لافتة: الرئيس القبرصي (اليوناني) ديميتريس خريستوفياس والرئيس القبرصي (التركي) محمد علي طلعت يتصافحان مع ابتسامة أوتوسترادية عريضة، بعدما اجتمعا لـ”بدء مفاوضات رسمية (برعاية الأمين العام للأمم المتحدة) تُنهي 34 سنة من انقسام الجزيرة”، وأكثر: أعلنا 31 آذار (أي الاثنين بعد غد) موعد فتح “معبر” شارع ليدرا (الرئيسي في وسط العاصمة نيكوسيا المقسومة). وكان اللقاء دام ثلاث ساعات في مكتب رئيس بعثة الأُمم المتحدة التي يرابط جنودُها منذ 1974 عند “خط أخضر” يفصل بين شطرَي الجزيرة الشمالي والجنوبي، وكان منذ ذاك التاريخ رمز تقسيم العاصمة القبرصية، ومنه انطلقت الى العالم لفظة “القَبْرَصَة” التي تعني تقسيم أرض الوطن شطرَين وشعبَين ورئاستَين وحكومتَين، وعداوةً تَحريضية بين المواطنين.
هكذا إذاً: قبرص، بلاد “القَبْرَصَة”، تُنهي “قِبْرَصَتَها” ويصرِّح حاكم شطرها اليوناني: “لِمصلحة الشعب القبرصي قررنا العمل على مزيد من التواصل بين المواطنين فتتقلّص الفجوة بين النفوس والقلوب”، ويصرّح حاكم شطرها التركي: “قرّرنا أن ندخل حقبة جديدة، وأملنا أن نَحِلّ المشكلة القبرصية في أقرب وقت، قبل نهاية 2008”.
منذ انهيار جدار برلين (سنة 1989 بعد 28 عاماً على بنائه سنة 1961) وإعادة توحيد برلين الشرقية وبرلين الغربية، يشهد العالم قريباً انهيار جدار ليدرا (الشارع السياحي المقسوم وسط المدينة القبرصية القديمة) وإعادة توحيد شمال قبرص وجنوبها الى جزيرة موحدة ناهدة صوب “مكاسب” الاتحاد الأوروبي.
وإن كان يا ما أسهل “القَبْرَصَة” الجغرافية عند “القَبْرَصَة” الديموغرافية، فها هي قبرص تشفى من قَبْرَصَتِها الجغرافية الصعبة لتتعانق في وحدة أرضيَّة من جديد، بينما لبنان – الذي شُفِيَ من “قَبْرَصَة” جغرافية شلّعته 15 سنة من حروب الآخرين على أرضه (1975- 1990)- يشهد اليوم “قَبْرَصَةً” ديموغرافية شرسة يُوقعه فيها “بيت بو سياسة” من مستزلِمين ومستسلمين ويوضاسيين شلّعوه انقسامات نفسية وشعبية وفئوية ومذهبية وإيديولوجية وحزبية وانضوائية وكيدية واصطفافية، ما جعلنا نقبل عبارة “قَبْرَصَة اللبنانيين الديمغرافية” بعدما بقينا سنواتٍ طويلةً (منذ 1990) نرفض استعمال عبارة “الحرب الأهلية اللبنانية” ونستبدلُها بعبارة “حروب الآخرين على أرضنا”. ولا يُمكن أن نقول اليوم “قَبَْرَصة الآخرين على أرضنا” لأن أبناء شعبنا هم أنفسهم المنقسمون سياسياً على بعضهم البعض، يتكايدون (انتصاراً لزعمائهم) ويتناكفون (حماسةً لأسيادهم) ويتجاذبون أطراف الجسم اللبناني (كل واحد في اتجاه زعيمه أو قائده أو سيده أو رئيسه الحزبي)، وكل ذلك لا بدافع من خارج لبنان هذه المرة بل من الداخل، من سياسيين لبنانيين منقسمين على بعضهم البعض (لدوافع داخلية أو خارجية، ولأسباب شخصية أو شخصانية) ويَجعلون مُحازبيهم وأنصارهم ومَحاسيبهم يتناهشون على حلبة الوطن، والعالم يتفرَّج ويأْسف ويُشفق ويشمت، ويتحسَّر على لبنان الذي انقلب شعبُه عليه شَمشونِيَّ الغرائز السياسية يهدم هيكله على رؤوس أبنائه.
أإلى هذا الحدّ؟ طبعاً. تشاؤُم؟ أبداً. بل هو واقع بلغناه بعدما معظم شعبنا بات منقاداً أغنامياً ببغاوياً وراء سياسيين (كثيرين من غير شر)، كلُّ واحد منهم يشدُّ بالوطن الى صوبه ويشدُّ معه جماعته وقطيعه فتزيد الفرقة والقسمة.
مبروك لقبرص شفاؤُها من “القَبْرَصَة” فلْنتَّعِظ نَحن، ومثلما شُفينا من “القَبْرَصَة الجغرافية” فلنتجنَّب الوقوع في “القَبْرَصَة الديموغرافية” قبل أن نصبح أندلس القرن فتشمت بنا شعوب هذا القرن والقرون المقبلة.