هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

529: فلنتّعظ عندنا جوقات الشتّامين

فلتتّعظ عندنا جوقات الشتّامين
السبت 12 كانون الثاني 2008
– 529 –
1) كان الرئيس بِل كلنتون يلقي خطاب التخرُّج لطلاب الجامعة الأميركية في دُبَي، حين راح يُشيد بإنجازات الرئيس الحالي جورج بوش وما يقدّمه للولايات المتحدة. خلال الكوكتيل بعد الخطاب سأله صحافيون حول بادرة دفاعه عن بوش، وهو خصمه الحزبي، فأجاب كلنتون: “هذا رئيس بلادي. خصومتي السياسية الحزبية معه أمر داخلي. احترامُه واجب عليّ. أميركا أهم من رؤسائها”.
2) ذات يوم كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يحضر مؤتمراً في باريس، حين راح أحد الخطباء يُشيد بالرئيس جمال عبدالناصر ويهاجم الرئيس المصري (وقتها) أنور السادات، فاعترض هيكل علَناً على كلام الخطيب وطلب وقف تهجُّمه على السادات وإلاّ يغادر القاعة فارعوى الخطيب. خارج قاعة المؤتمر سأله صحافي عن بادرة دفاعه، هو الذي قسا عليه السادات بعدما كان (هيكل) أحد أبرز أركان حكم جمال عبدالناصر، فأجاب هيكل: “السادات رئيس بلادي. واحترامه واجب عليّ أياً تكن علاقته بي اليوم وعلاقتي بالرئيس عبدالناصر قبله. مصر العظيمة أهمّ منا جميعاً”.
3) خلال مؤتمر في التشيلي لدول أميركا اللاتينية، وقف الرئيس الفنْزويلي هيوغو تشافيز يهاجم زعيم حزب الشعب خوسيه ماريا أزنار (رئيس الوزراء الإسباني السابق: 1996- 2000 – 2004). كان الملك الإسباني خوان كارلوس بين الحضور فامتعض وسأل تشافيز أن يوقف الانتقاد، حتى إذا واصل هذا الأخير، وقف خوسيه رودريغيز زاباتيرو (رئيس الوزراء الحالي منذ 17/4/2004) يعترض علناً وفي حدّة قاسية على كلام تشافيز. خارج قاعة المؤتمر سأله الصحافيون عن بادرة دفاعه (مع أنه مثل تشافيز من المعسكر الاشتراكي، وهو وأزنار على خصومة حزبية وسياسية حادة داخل أسبانيا) فأجاب زاباتيرو: “كان أزنار رئيس وزراء بلادي، واحترامُهُ واجب عليّ. خصومتي السياسية معه لا تُلغي احترامي إياه. إسبانيا أكبر من رؤساء وزرائها”. ولدى عودة زاباتيرو من المؤتمر الى إسبانيا كان أزنار أول المتّصلين به، شاكراً إياه على بادرته.
هذه النماذج الثلاثة: هل هي كافية ليتّعظ عندنا، في هذا الأيام، “بيت بو سياسة” المتشاتِمون الشتّامون، المتبارون في التسابُق على الكيديات والتهجُّمات، والردود والردود المضادّة، والقصف الكلامي من المتاريس الإعلامية و”المكاتب” الإعلامية، والقصف المضادّ، والعنتريات التلفزيونيّة في برامج الـ”توك شو” والعنتريات المضادّة، والتهديدات العالية والتهديدات المضادّة الأعلى، حتى باتت غرائز الشتائم هي المحرّكة عقولهم وسلوكهم وقواميس خطاباتهم وتصاريحهم، وحتى بات الشتم لديهم لغتهم اليومية لا حدّ لها ولا معيار ولا مقياس ولا خلقية سياسية ولا خلقية اجتماعية فيطال شتمهم المقامات السياسية والحزبية والدينية بلا تفريق ولا اتّعاظ ولا ضوابط!
هؤلاء الذين يشدّون بأطراف الصبي (لبنان) حتى بلغوا من الشدّ الأرعن الأعمى أنهم سيفصلون أطرافه عن جسمه، وجسمه عن رأسه، فلن تبقى منه سوى أشلاء وطن، فيما يدّعي كل واحد (من غير شر!!!) أنه يعمل لمصلحة الوفاق الوطني، هل يعرفون أنهم يدمّرون الوطن تفتيتاً ونكايات وكيديات وارتباطات مشبوهة هنا وهناك وهنالك، غرباً وشرقاً، حتى كأن السفراء الأجانب انتهت مهامُّهم الدبلوماسية وباتت مَحصورة بالوساطات بين سياسي لبناني وآخر، من بيت الى بيت، من مقر الى مقر، من زاروب الى زاروب، يفشّخون طوال النهار، ويصرّحون طوال الليل، ويتحدّثون باسم حردانين هنا، ومتوتّرين هناك، وموتورين هنالك؟
هل يتّعظون من نَماذج بِل كلنتون ومُحمد حسنين هيكل وخوسيه زاباتيرو، كيف وضعوا الوطن فوق اعتباراتهم الشخصية وخصوماتهم الحزبية والسياسية، لأن الوطن أبقى من رؤسائه ورؤساء حكوماته ووزارئه ونوابه وزعمائه السياسيين؟
هؤلاء السياسيون المتسابقون عندنا على ادّعاء تمثيلهم الشعبَ اللبناني: أكثريّته أو أقلّيّته، طوائفه أو مذاهبه، فلْيُدركوا أنّ الشعب اللبناني بلغ من القرف والغضب أنْ سيسحب الكراسي من تحتهم حتى يقعوا أرضاً ولن يجدوا من يحملهم، لأن أكتاف الشعب صارت أغلى من أيّ سياسي يراهن أنه، بِخطابٍ أو بكبسةِ زرّ، يُحرك قطعان الشارع اللبناني.