هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

523: هوية الرئتين بين الكويت ولبنان

هوية الرئتين بين الكويت ولبنان
24 تشرين الثاني 2007
الكويت – 523 –
غمروني بهم حتى لكأنني أنا الكويتي وهم اللبنانيون.
لفَحَني هذا الهُبوبُ النبيل، لا مُحاباة فيه ولا مُجاملة، بل أحاسيس نابعة من تجربة شخصية، أو مبادرة فردية، أو لحظة ذاتية عانَوها أو عاينوها ولا إيحاء من أحد.
سألوني عن لبنان بلهفة حرّى، وسألوني عما يجري في لبنان بحماسة مقهورة، ولكلٍّ منهم سببُه وتبريرُه ورأيُه وتجربتُه اللبنانية راهناً أو سابقاً.
منهم من تَعنيه طبيعةُ لبنان وجلساتُها (جبلاً يحضن الساحل وبحراً يتثاءب حتى قمم الثلج)، ومنهم من يعنيه الطبق اللبناني (المتميز النظيف اللذيذ)، ومنهم من يعنيه الشعب اللبناني بصموده وحيويّته وترحابه وحسْن حدبه على الضيوف والزوّار والسياح، ومنهم من تعنيه الحركة الثقافية المتألّقة في لبنان (مسرحاً ومعارضَ تشكيلية وندواتٍ أدبية وفنية وشعرية وفكرية)، ومنهم من تعنيه ليبرالية الصحافة في لبنان وريادتها (العربية خصوصاً والمشرقية عموماً)، ومنهم من يعنيه مبدعو لبنان في كل حقل، ومنهم من تعنيه لبنانية لبنان بمروحتها الواسعة بشراً وحجراً، وحلماً لا ابتعاد عن أمنية تَحقيقه في قلوب من يعرفون لبنان ومن لا يعرفونه.
لفحني هبوبُهم اللبناني النبيل حولي، وأربكني تعلُّقُهم بلبنان أمامي، ورغبتهم في العودة إليه، أو زيارته، أو اكتشافه، هم الذين، بقدراتهم المالية، في استطاعتهم تمضية عطلاتهم وسياحاتهم في أية عاصمة من العالم الأول، أو أية مدينة من العالم الجميل. ومع ذلك، أنى توجّهوا ومهما عاينوا، لا يفضّلون إلا لبنان، ولا يرغبون إلا في لبنان، ولا يلهفون إلا الى لبنان.
ولم يكن هبوبُهم اللبناني حولي شفوياً وحسب، بل هذه صحفهم أمامي وفيها مقالات لهفى عن لبنان (ووجعهم وقلقهم ولهفتهم على ما يجري في لبنان) بأقلامٍ كويتية صادقةٍ نقيةٍ تقطر قهراً وتنْزف ألَماً، وتبثُّ آخاتٍ لا تعادلها إلاّ صرخاتُهم السابقة نفسُها حين كانت كويتُهم في قبضة الغزو، وكان لبنان يشاطرهم الوجع ويلهف الى استرداد كويتهم الحبيبة السليبة.
غمروني بهم، وأنا بينهم كأنني صدى صوتهم اللبناني، وكنت بينهم مِحور أُخُوَّة نبيلة بعيدة عن الرثاء والشفقة، قريبة مِن هلعِ مَن يَخشى على لؤلؤة غالية أن تضيع، أو على كنْزٍ فريد أن ينكسر.
وكنا، كما نعرفهم دوماً، عاينّاهم في السنتين الماضيتين، وخصوصاً بعد عدوان تموز الأسبق. فما إن انحسرت وحشية إسرائيل، وانكشف لنا كم من اللبنانيين هجروا أو هاجروا، وكم من السياح والزوار غادروا، حتى رأينا الكويتيين أول الواصلين الى بيروت وبحمدون وحمانا وسواها، الى بيوتهم عادوا أو الى الفنادق جاؤوا، يشاركوننا حبَّنا بقاع لبنان الحبيبة كلّها، ويسهمون معنا في العودة إليها، وإعادة بنائها، واستعادة نبضها، واعتياد ارتيادها.
وهو هذا ما لَمَسْتُه هنا، ولَمَحتُه هنا، ولَمَمتُه هنا، في عيونهم ووجوههم وقلوبهم الطيّبة الصادقة.
هذا بلد ليس شقيقاً وحسب (وكم من شقيق غير رفيق وغير شفيق وغير رقيق) بل هو الحضور الصادق الذي يعاد إليه في ساعات الآخ، ويعاد معه الى حب الحياة في ساعات الآه.
بين الكويت ولبنان، هويةُ ما بين القلب والقلب، تتماهى فيهما دماثة بين الشعبين، بدت من نبل الكويتي الذي يرى اللبناني متميزاً مغايراً متفرداً في أكواريوم عربي واسع تكثر فيه أسماك القرش العدوانية وخفافيش البحر الانتهازية.
بين الكويت ولبنان، رئتان هواؤُهُما: النُّبل والوفاء.