هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

518: رئيس قرأ على الأقل كتاباً

رئيس قرأ على الأقل كتاباً
السبت 20 تشرين الأول 2007
– 518 –
عشية الجلسة النيابية المقررة (!؟) هذا الثلثاء (23 الجاري) لانتخاب رئيس جمهورية جديد (قد لا تنعقد ولكنها، انعقدت أم لا، لن تغيّر شيئاً في موضوعنا أدناه) نتذكّر الحادثة التالية: ذات صيف ينصرم، كان المعلم الكبير فؤاد افرام البستاني يتمشَّى صباحاً باكراً على شرفة بيته التاريخي في دير القمر، حين جاءه من يقول إن في الباب من جاء يزوره. استغرب “المعلم فؤاد” هذه الزيارة الصباحية المبكِّرة جداً، وجاء الى الباب ليفاجَأَ بأن هذا الزائر “المبكر جداً” ليس سوى… سعيد عقل.
وما إن جلس الكبيران في القاعة الشرقية التاريخية حتى قال سعيد عقل: “نحن على أسابيع معدودة من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي وتجري المباحثات حول رجل مهيّأ ليكون رئيس لبنان المقبل. يجدر بنا، يا فؤاد، القيام بحملة توعية على فكرة أن لم يحكم لبنان، بعد، رجل كتب كتاباً. فلنبحث عن مرشّح يتصف بِهذه المزية: أن يكون وضع على الأقل كتاباً”. فبدرت من المعلم الكبير فؤاد افرام البستاني بسمتُه الساخرة المعهودة المشبعة بخبرته الطويلة وحنكته الوطنية وتجربته العميقة مع عظماء التاريخ في لبنان، وأجاب: “أن يَجيئنا، يا سعيد، رئيس جمهورية لم يكتب كتاباً، هذه بسيطة. نرضى أن يجيئنا رئيس قرأ على الأقل كتاباً”.
العبرة اليوم من استعادة هذه القصة الواقعية (رواها البستاني في سلسلته التلفزيونية “لبنان الدائم” من “المؤسسة اللبنانية للإرسال” سنة 1987، وكتبها سعيد عقل غير مرة في مقالاته ويرويها في جلساته) ليس التركيز على حرفية الكلام: أن يكون الرئيس الآتي إلينا سنة 2007 كتب كتاباً أو قرأ كتاباً. العبرة أن يكون ذا خلفية ثقافية توازي ما لديه من خبرة سياسية (!) وتجربة وطنية (!) ورؤية للحكم (؟!). فهل نطمح الى ذلك؟ وهل نكون طوباويين كثيراً (على طريقة سعيد عقل)؟ أم نكون واقعيين كثيراً (على طريقة فؤاد افرام البستاني)؟
اليوم، المواطن العادي الذي في دماغه ثقافة وفي ثقافته حضارة، يتطلّع الى ما يجري من مباحثات ومفاوضات واجتماعات وزيارات وبيانات وتَشاتُمات واتّهامات من جميع الجهات، فيستنتج أن الرئيس الآتي إلينا سيكون نتاج تسوية أو توفيق أو توافق أو اتفاق بين الأفرقاء على الساحة (من غير شر يَجيء قلبهم المملوء حقداً على بعضهم البعض) من دون اعتبار خلفيته الثقافية ولا دماغه الحضاري ولا رؤياه للحكم في السنوات الست المقبلة. إن هي إلاّ معادلات يضعها “بيت بو سياسة” بين بعضهم البعض ليجيئوا برئيس غير تصادمي، يعني يُرضي هذا الفريق أو ذاك (” يُرضي” هنا بمعنى “ينصاع” ولا يُزعل أحداً ويلبي طلبات هذا الفريق أو ذاك). وهكذا (على مسطرة “بين حانا ومانا”) نكون بين “حانا” 8 آذار و”مانا” 14 آذار جاءنا رئيس “توافقي” أو “اتفاقي” أو “توفيقي” بعيد كل البُعد عن المقاييس التي ينتهجها الناس، في دول الناس، لينتخبوا رئيساً يسوس بلاد الناس.
ليس المقصود بِهذا الكلام أن يَجيئنا رئيس من أهل الأدب والشعر والفنون والثقافة الإبداعية، ونعرف أن الإلحاح اليوم يتركَّز، منذ أول الولاية، على إنقاذ الوطن من مصائبه السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية والبيئية واللوجستية قبل الولوج في أمور الثقافة والإبداع. غير أن رئيساً في دماغه ثقافة وفي ثقافته حضارة، يعرف أن انصرافه الفوري الى معالجة تلك المصائب الموروثة، لا يُعيقُه (بالتوازي مع الشغل السياسي والأمني والاقتصادي) عن إشراكه في الحكْم أهل اختصاص في الثقافة الإبداعية، يشتغلون شغلهم الذي لا يقل شأناً (خصوصاً تجاه دول العالم) عن عمليات ترميم بشاعات أصابت لبنان (بسبب “بيت بو سياسة”) ولا ينقذها إلاّ رئيس يعرف شو يعني أن يكون “قرأ على الأقلّ كتاباً”.