هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

451: “دولة” زوق مكايل

السبت 17 حزيران 2006
-451-
طبعاً ليس مسموحاً قيامُ دولة ضمن دولة في الدولة. غير أن زوق مكايل (بالمعنى الإيجابي) استثناء. والتجربة التي تخوضها منذ 43 سنة مؤشر لا يزال عنوان الطموح والرؤية والتحقيق والتنفيذ بدون أعذار القصور والتقصير والاقتصار.
البلدة التي باتت نموذجية، شكلاً ومضموناً، حتى ليشتهي احتذاءَها كلُّ مواطن وكل رئيس بلدية في لبنان، تواصل مسيرتها الهادئة الوثقى (“دولةً” نموذجية مصغَّرة) نحو اكتمال “رفاه الحياة” فيها، كما يسميه رئيس بلديتها المحامي نهاد نوفل.
جديد زوق مكايل ما حصل ويحصل منذ الأول من الشهر الجاري. شو صار؟ أعلنت البلدية عن ساعة صفر تبدأ في 1/6/2006 بـ”حملة تنظيم السير وسلامة المرور”. ولم تكن الحملة شعارات على يافطات وحسب، ولا مناشير موزَّعة على الأهالي والسكان وحسب، بل حملة ميدانية عملانية بدأت أسابيع قبلذاك بـ”بروفة” محاضر ضبط “تحذيرية” صارمة لم تستثنِ أحداً، غير مدفوعة بالطبع لكنها تنبيه فعلي ماديّ جديّ لكيفية ونوعية وسببية ما ستكون عليه محاضر الضبط الفعلية (وهي بدأت فعلاً) ابتداءً من 1/6/2006. والمخالفات انطلق ضبطها (وتسطير محاضر بها) حزماً صارماً يطال الوقوف في الأمكنة الممنوعة، والوقوف بالعرض على الرصيف، والوقوف خارج الخطوط البيضاء المسموح الوقوف بينها، والوقوف على الرصيف المبلّط الأحمر (المخصص للمشاة) عوض الوقوف على الرصيف المبلّط الأسود (المخصص للسيارات)، والوقوف في حرم الطريق (والبلدية أمّنت فسحات جانبية في كل بقعة لوقوف السيارات)، والوقوف خطاً ثالثاً في وسط الطريق، والوقوف أطول من الوقت المسموح به (بحسب إشارات واضحة تحدد وقت الوقوف أمام المحال التجارية للتبضُّع أو التفريغ)، إلى محاضر ضبط السرعة الزائدة، أو مخالفة إشارات السير، أو مخالفة أي نوع من أنواع المحظورات التي حددها قانون السير (ترك الحيوانات على الأرصفة، رمي النفايات خارج المستوعبات الموضوعة بكل نظافة وإتقان،…).
والأبرز اللافت أيضاً: تنظيم المحاضر لا يطال المواطنين وحسب، بل رجال الشرطة بالذات. فغالباً ما يقوم رئيس البلدية نهاد نوفل بجولة متأخرة ليلية يتفقّد الشوارع الهادئة ليلاً ويراقب وقوف السيارات ويسجل المخالفات التي لم ينظِّم بها محاضرَ ضبط مَن يكون من الشرطة مداوماً في تلك الساعة وغفل عنه أن يمر في هذا الشارع أو ذاك لينظم محضراً بِمخالفين ليس مسموحاً لهم في الليل ما هو ممنوع عليهم في النهار. وهذا ما يجعل رجال الشرطة البلدية في زوق مكايل دائمي الجهوزية والمراقبة والتجوُّل ليلاً نهاراً كي يرعوي المخالفون ليلاً نهاراً، وكي تنام زوق مكايل على النظام والتنظيم ليلاً كما تصحو صباحاً على النظام والتنظيم وتقضي نهارها في هالة حازمة من تأمين سلامة المرور وسلامة الوقوف وسلامة القيادة.
والتجربة الناجحة التي مرت بها البلدية قبل فترة في حي كبير منها (حي مار مخايل)، تواصله تدريجاً من حي إلى حي، طرقاتٍ وإنارةً وزهوراً وأحواضاً وأرصفة، وكلما انتهى تأهيل شارع منها أجرت عليه النظام والتنظيم الحازمين، ووضعَت على نواصيه ومفارقه الإشارات الزرقاء والخضراء (رقم الشارع وأرقام البيوت فيه)، ما يجعل زوق مكايل بلدةً نموذجية من جمهورية أفلاطون الفاضلة، لا بلدة “تشاغب” بتنظيمها على معظم بلدات هذا البلد الغارق في فوضاه القاتلة.
الحزم والمساواة: ثنائي شعار نهاد نوفل لورشته الجمالية التجميلية في زوق مكايل. وتعليماته لمفوض الشرطة وعناصره: ألاّ يستثنوا أحداً، حتى يولد من الحزم انضباطٌ، ومن المساواة تذكيرٌ بالشعار: “إبتسم أنت في زوق مكايل”.
ذات يوم قال سعيد عقل: “استنسخوا نهاد نوفل ووزِّعوا نماذجه على قصور الحكْم عندنا ومؤسساتنا الرسمية”.
معه حق سعيد عقل.