هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

397: الوطن ليس ثوباً بل جسد

السبت 5 آذار 2005
-397-
اتصل بي- وفي عادته أن يفعل- لا ليهنّئني هذه المرة (كما اعتاد أحياناً) على الـ”أزرار” بل ليعتب على الـ”أزرار” الأسبوع الماضي متَّهماً إياي بالانعزالية والتقوقع والانكفائية والشوفينية، لأنني ناديتُ بـ”لبنان اللبناني”، مدّعياً أنني أدعو إلى القومية اللبنانية وأعزل لبنان عن عروبته ووسطه العربي ومحيطه العروبي.
فيا هذا، ويا جميع من يرون رأيه: اقتتالنا على هوية الوطن، سيَفقدنا الوطن فنصبح بلا وطن ولا هوية. لا تزالون منشغلين بتبديل الهوية والانتماء كما تبدّلون ثوبكم بآخر، ولا تدركون أنّ الوطن جسدٌ لا يمكن استبداله، وليس ثوباً تبدّلونه ساعة تشاؤون أو تغيّرون في هويّته كيفما تشاؤون وفق انتماءاتكم وانضواءاتكم وعقائدكم.
وهل بات اتّهاماً أن يُجاهر المواطن بهُويّة وطنه، وأن يقول إن وطني لبنان وانتمائي هو إلى لبنان اللبناني ولا أَنعت وطني بصفة غير صفته ولا ألصق به هوية خارج هويته؟ وخصوصاً في هذه المرحلة الخطيرة المفصلية؟ واليوم، فيما ينبثق فجر جديد لاستقلال لبناني جديد؟ وهل من وقتٍ، بعدُ، أو عمر، كي نتناقش في هُويّة وطننا كأنّ هويّة الوطن إلى جدال؟
اليوم، كل جدال مؤجّل. الأهمُّ أن يبقى لنا الوطن، وبعدها تناقشوا في جنس الملائكة. اليمنيون مبروك عليهم اليمين. اليساريون هنيئاً لهم اليسار. المتأدلجون فليتأدلجوا قَدْرَما يشاؤون: الشيوعيون فليظلوا شيوعيين، القوميون فليبقوا قوميين، العروبيون فليستمرّوا عروبيين. إنّما فليكونوا جميعهم لبنانيين أولاً، متشبّثين بلبنانهم شعباً واحداً وأرضاً موحّدة وكياناً سياسياً وحيداً، وبعدها فليلبسوا جميع أشكال التشكيلات والتجمّعات والمنظّمات والتنظيمات والأحزاب والعقائد والإيديولوجيات والتنظيرات.
أما اليوم، واليوم اليوم، فلينادوا بلبنان وطناً أولَ وأخيراً لهم، لا حبّةً في مسبحة أوطان الآخرين، وليهتفوا باسمه أوّلاً قبل أن يتشدّقوا بأسماء أوطان أخرى ستزدريهم لأنهم خلعوا وطنهم كثوب ولبسوا انتماءهم إليها. اليوم اليوم، ولا وقت لأيّ جدال: الكيان اللبناني أولاً، ثمّ- إذا بقي لهم وقت لهم كيان وإذا بقي لهم عمر- فلينخرعوا بإيديولوجيات القومية والقطرية والأمَمية ولواحقها وتوابعها من مستوردات الشرق والغرب والعرب والعجم. اليوم اليوم، ما سوى لبنان، ولبنان اللبناني تحديداً. لا هُويّة إلاّ به، لا هوية إلاّ منه. لا سقف حماية إلاّ هو. وكل كلام آخر مؤجّل. حين يكون طفلنا في خطر، لا نتناقش في أنواع ملابسه ولا في أنواع هواياته. نتناقش كيف ننقذه من الخطر. ولبنان اليوم أبونا وطفلنا معاً: أبونا الذي يحمينا وطفلنا الذي نحميه.
فلنتخاصر ولنتكاتف ولنتعانق ولنتوافق على سقف واحد يحمينا: لبنان اللبناني، وجسد واحد نحميه: لبنان اللبناني، وإلاّ فما نحن ومَن نحن بدون جسد أو بجسد مستعار؟ الوطن جسد وليس ثوباً تخلعوه وتلبسون غيره متى تشاؤون. الوطن جسدكم ولا يمكن أن يكون لكم جسد آخر. وكل من لا يُحافظ عليه من حكّامه أو مسؤوليه أو مواطنيه، ليس منا وليبقَ عارياً على قارعة الوطن يبحث عن جسد آخر لوطن آخر ينتسب إليه طرحاً لقيطاً.
ويا تعس من يُنادي بوطن غير وطنه، وهوية غير هويته، لأنه ينتهي ملفوظاً من وطنه، ولفظة معلوكة لقيطة في أوطان الآخرين.