هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

340: خنقوه بالتدخين في عيد ميلاده

السبت 17 كانون الثاني 2004
– 0 4 3 –
كان الْمطعم البحري يَعُجُّ الأحد الْماضي بزبائن يثير منظرُهم الضحك مرتين: أُولى للبعض منهم يطرد بيديه غيوم الدخان الكثيفة في أرجاء الْمطعم الْمقفل بسبب الطقس البارد في الْخارج، والأُخرى للبعض الآخر يُحاول أن يتكلم بصوت مرتفع كي يتغلب على “جعير” الأغنيات التافهة الرائجة التي تَجلد “الزبائن الكرام” وتَحول دون تَمتُّعهم بالْحديث الْهادئ وتناول الغداء والتحدُّث بصوت عاديّ لا تغتاله أغنيات الْمطاعم.
على الطاولة الْمقابلة كان جمع عائلي يغرق هو الآخر في غيوم الدخان، حول طفل يكاد يَختنق من بكائه الْمتواصل “وَعْ وَعْ”، وهو على ذراع “الست الوالدة” التي تَحمل في اليد الأُخرى سيجارة تتلذّذ بتدخينها ونفخ دخانِها فوق رأْس الصبي ثُم “تَحنو” عليه بكل حنان لتقبيله بشفتيها الْمشبعتين بالنيكوتين، والصبي “وَعْ وَعْ”.
حاول والده الْجهبوز أن يكون أكثر حناناً فانتشل الصبي من حضن أمه وحمله على زنده الأيسر من دون أن ينسى سيجارة مزدهرة في فمه يتناولُها بيده اليمنى ويُخاطب ابنَه الْحبيب مكاغياً إياه في لُهاثٍ مَمزوجٍ بطعم النيكوتين على لسانه وبين أَسنانه وبقايا الدخان الْمتصاعد من أحشائه الأبوية، والصبي لا يزال “وَعْ وَعْ”.
تنطّحت عجوز معهم (الْجدة على الأرجح) فأخذت الصبي الى صدرها الْحنون لعله يرعوي ويسكت، فأخذَتْ تُهدهدُه بكلمات مهدّئة لَم تَجعلها تسحب من يدها نربيش أركيلة تكركر حدّها بقدْرما يُخرخر صدرها الْمشبع دخاناً من الأركيلة القاتلة “الْمعسّلة”، والصبي يزداد بكاؤه “وَعْ وَعْ”.
اشْمَخَرّت سيدة معهم (ربّما خالة الصبي)كانت الوحيدة بينهم لا تدخّن، فحملت الصبي وأخذت تَجول به بين طاولات الْمطعم مروراً بغيوم الدخان الْمنبعثة من سجائر وأراكيل “الزبائن الأحباء”، والصبي “وَعْ وَعْ”.
في نِهاية الوليمة جاء الغرسون بقالب كاتو عليه شَمعة واحدة ففهمنا أن هذا الغداء العائلي هو “على شرف” الصبي لِمناسبة بلوغه العام الأول من عمره (الْمديد؟). وضعوه بينهم وتكأكأوا حول قالب الكاتو يطفئون الشمعة الوحيدة بلهاثهم الْمملوء دخاناً، ثم تناوبوا على تبويس الصبي بشفاههم الْمشبعة بنيكوتين السجائر والأراكيل، ويضمون وجهه الى صدورهم الْمشبعة بالدخان الْمتغلغل الْمعشعش في ثيابِهم، والصبي “وَعْ وَعْ”.
غادرْتُ الْمطعم البحري لضيق صدري بالدخان الْخانق ومنظر الصبي الْمختنق، والأرجح أن الصبي انتهى في سيارة إسعاف الى أقرب مستشفى للاحتفال بعيده الأول في غرفة عناية فائقة تنقذه من تدخين أهله الأحباء.
ما الفرق بين التدخين والأذيَّة والضرر وتسميم الأطفال؟
ما الفرق بين التدخين والإزعاج وتوسيخ ثياب الْحاضرين؟
ما الفرق بين التدخين والقرف والسماجة؟
ما الفرق بين التدخين والوقاحة؟