هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

334: جبران بين البنك والمسرح

السبت 6 كانون الأول 2003
– 4 3 3 –
الصدمة التي تلقّتها “الذكرى 120 لولادة جبران” بعرض لوحاته كرنفالياً في مصرف تِجاري (عوض أن يبادر الْمصرف الى رعاية الْمعرض في صالة لائقة ولا يَحشرها في زاروب التبادلات الْمالية والْمصرفية) وذلك بالتعاون مع لَجنة جبران التي، ويا للحيف، لا تعرف أنّ ذكرى ولادة جبران هي 6 كانون الثاني لا 6 كانون الأول، إلاّ إذا كان الْمشروع يَهدف الى استغلال فترة الأعياد في الْمصرف) قابلتها ظاهرة فنية لائقة (لَم تقصد الْمئوية في كانون الأول ولا هي ادّعت ذلك)، هي مسرحية “الْمكفوف” (في مسرح مونو) لوليد فخر الدين (إعداداً وإخراجاً) عن نصوص لِجبران: مسرحية “الْمكفوف” (مترجمة عن الإنكليزية التي نشرها بِها النحات البوسطني خليل جبران) ومقتطفات من “في ظلام الليل”، “مات أهلي”، “الشاعر الأعمى”، “يا بني أمي”، “الشيطان”، في توليفة نصوصية وإخراجية ما بعد الْحداثوية مُمتازة فكرةً وتنفيذاً.
وإذا كانت مألوفة لدينا، قراءةً، نصوصُ جبران، فوليد فخر الدين قدّمها لنا على الْخشبة في مشهدية مهندَسَة الإيقاع، مهندَمَة الرؤية، مضبوطة التحرُّك الْمسرحي، مُحترفة اللوحات الكوريغرافية (نادرة عساف)، متكاملة الفريق الفني والتقني (إضاءةً ومؤثراتٍ وديكوراً وملابس)، عدا الْمتعة التمثيلية ذات الذائقة العالية.
ففي هذا العمل تابعنا التشكيل الْمسرحي الذي نفّذه بديع أبو شقرا (دوران)، وميرنا مكرزل (ثلاثة أدوار)، ومكادي نَحّاس في صورته الأخرى (الراوي)، وطارق تَميم (الْمجنون)، ووفاء حلاوي (آنّا)، وطلال الْجردي (دوران)، وجميعهم كانوا آلة بشرية واحدة حاذقة الأداء ولو في عدة أوتار منفصلة، عرف وليد فخر الدين كيف يديرهم وعرفوا هم كيف يغنمون من ثقافتهم الْجامعية الأكاديمية ليؤدوا على الْمستوى الأعلى.
وإذا بديع أبو شقرا يتألق أكثر فأكثر (بين التلفزيون والسينما والْمسرح) في نَجاحات يستاهلها لأنه يتعب عليها في إخلاص الْمؤمن بِهواية احترفها، وإذا ميرنا مكرزل أثبتت حضوراً لَها في أدوارها الثلاثة يَجعلها مقبلة في خطى واثقة نَحو ما بلغته رائداتنا الْمسرحيات الْمبدعات، فطلال الْجردي يرسم حضوره الاحترافي موهوباً وواثقاً ومؤمناً هو الآخر بِما ينجز من مطالع أكيدة (نال مؤخراً جائزة الْموركس كأفضل مُمثل على دوره في فيلم أسد فولادكار “لَما حكيت مريم”)، حتى ليمكن القول إننا، مع الثنائي بديع أبو شقرا وطلال الْجردي (حين يتيسّر لَهما نص قوي)، أمام شابين يتهيَّآن ليتصدّرا ريادة السنوات الْمقبلة بامتياز.
يبقى وليد فخر الدين الذي نعوّل عليه، هو الآخر، أملاً كبيراً لأنه آتٍ من التخرُّج الأكاديمي برؤية جديدة يَحتاجها الْمسرح اللبناني دماً له جديداً، هو وفريقه في هذه الْمسرحية، ما يشير الى أن كليات الفنون عندنا تنتج موهوبين فعلاً إذا انفتحت أمامهم الطريق. وعناصر “الْمكفوف” يبدون (ويا لسعادتنا) أقوياء الإيمان. فعندما أسفت لضآلة الْحضور أجابني طلال الْجردي بثقة نبيلة: “معليش. الْمهم أن نعود ولو ببطء الى تعويد الْجمهور على الْمسرح الصحيح”، وأجاب وليد فخر الدين: “طلبت رعاية أحد الْمصارف فأجاب مديره: لو كنت تعرض عليّ حفلة ساهرة على شاطئ البحر، لكنت دعمتك بِمبلغ كبير، أما الْمسرح فلا يهمني”.
ومنا الى الْمصرف الذي يعرض لوحات جبران في زاروب مدخله.