هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

333: كما على الأرض كذلك من فوق

السبت 29 تشرين الثاني
– 3 3 3 –
اللافت في الدوحة الرحبانية أن جيلها الثاني لا يُحاول – أقلّه شكلاً – أن يواصل التراث الرحباني الْحرفي بالوسائط والوسائل التي تأسس عليها منذ أواسط الأربعينات، حين جاء جديداً على موروث، عاصفة على ركود، وأنواء وثقى على بُحيرات آسنة. وجاء الْجيل الرحباني الثاني، على تَثَقُّفِهِ الْموسيقي – وهو من الْحليب الذي نَما عليه تلقائياً في البيت – فَحاول البقاء في الأصول – الْموسيقية على الأقل – لكنه طار بأجنحته الْخاصة الى الآفاق التي كم تتسع لَها هذه العظيمة الْمذهلة الغريبة الرحيبة التي هي الْموسيقى.
هكذا بشارة عبدالله الْخوري (حفيد الأخطل الصغير وابن شقيقة الرحابنة) نقد حبوب الدراسة الْموسيقية من أُصولِها الأكاديْمية وطار صوب الْموسيقى الكلاسيكية يكتب فيها مؤلفات باتت اليوم في الصدارات العالَمية.
وهكذا بدأ زياد عاصي الرحباني من كومبارس “طريف” في “ميس الريْم” ثُم افتتاحيات بعض الفصول، مروراً بـ”الْمحطة” في “سألوني الناس” (اللحن الذي وضعه زياد وأعطاه لعمه منصور فكتب له كلمات الأغنية)، حتى إذا امتلك أدواته “طار” بِجناحيه الى أجوائه الْموسيقية الْخاصة في مسرحياته وألْحانه وأغنياته وصولاً الى أن تؤديها له والدته كبيرتنا السيّدة فيروز، مع ما تثير أغنيات زياد لفيروز من جدل حول أجوائها ونصوصها.
وهكذا “طار” أبناء منصور (مروان وغدي وأُسامة) الى أجواء خاصة بِهم قد تكون الأقرب الى الأرومة الرحبانية الأولى، بينما نَحا ابنا الياس (غسان وجاد) اتّجاهاً مُغايراً صوب أسلوب غربي واثق شكلاً وبعض أداء.
نسوق هذا الكلام لِمناسبة بدء عروض “كما على الأرض كذلك من فوق”، العمل الثاني لغسان الرحباني (تأليفاً وتلحيناً وإخراجاً وتَمثيلاً) بعد عمله الأول “هنيبعل”(1996) الْمسرحية التي فاجأتنا جميعاً بنضجها الكتابي وسياقها الْمسرحي (إخراج الْخبير الكبير يعقوب الشدراوي) وألْحانها وموسيقاها ومشهدياتِها الْموسيقية.
العمل الْجديد (في كازينولبنان) هو أيضاً فاجأَنا إذا تلقيناه بعين تفرحُ أن تتيح لشاب في عمر غسان (منتصف ثلاثيناته) يفتح باب السماء بسياق مسرحي وحوار متوهج، حاملاً قضيةً ماورائية تطرح الأسئلة الكبرى وتُجيب عن تساؤلاتٍ ميتافيزيكية غير متساوقة في طروحاتِها لكنها مُحاولةٌ مشروعةٌ في طرح السؤال على الغيب الكبير.
وفي مشهدية مُريْحة ومغايرة، تَجمع الإخراج الى السينوغرافيا (ديكوراً وملابس وحركة تغيير مشاهد) الى الغناء (بِأدائه ذي الْخط الشبابي) الى الْموسيقى (بِحضورها التقني والْميلودي معاً) الى التشكيل التمثيلي الْمنوّع، الى النص ذي الْحوار الذي يُحاذي (ولا يقع إلاّ لُماماً في) الآنية الْمباشرة، تَمكّن غسان الرحباني من نسج عمل مسرحي هو أقرب الى الْمغامرة بِموضوعه وموسيقاه وألْحانه ودسامة إنتاجه، مغامرة مشروعة لا يشبه عبثيتَها إلاّ سورياليةُ الْمشهد الْموجز الْمفاجئ الأخير الذي يترك الصالة بعده سؤالاً حافياً يزيد من غموضه انغلاق الستارة.
غسان الرحباني، أيضاً وأيضاً، يغامر إلينا في جديدٍ جديـرٍ بالتقدير.