هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

294: هل نحن حقاً مواطنون صالِحون؟

1 آذار 2003
-4 9 2 –
أسارعُ الى الاستدراك أنَّ هذا الْمقال ليس دفاعاً عن الدولة، وخاصة هذه الدولة التي منذ خمسين عاماً تُنشِبُ في وجهنا قهر مثالبَ تَحول دون دفاعنا عنها، وتَحفر بينها وبين شعبها هُوّةً تَتَعَمَّقُ عهداً بعد عهد.
غير أنّ هذا أمر، وعلاقتَنا نَحن بالدولة أمر آخر. الدولة غير السلطة. السلطة مَجموع مسؤولين سياسيين موكولة إليهم سياسة الناس. الدولة مَجموع إداريين موكول إليهم تسيير شؤون الناس، أيّاً كانَ مَن في السلطة.
ولكن، هل نَحن، كمواطنين، نساعد الدولة على أن تقوم بتسيير شؤوننا. ليس أبلغ هنا من قولٍ لِجبران (ينسبه البعض خطأً أو جهلاً الى جون كنيدي فيما كنيدي أخذه عن “حديقة النبي” لِجبران من دون أن يذكره) وهو: “لا تقُل ماذا فعلَتْ لي بلادي، بل قُلْ ماذا فعلْتُ أنا لبلادي”. فهل نَحن حقاً مواطنون صالِحون في بلادنا؟
لِماذا نرتدع عن الْمخالفات حين نكون في الْخارج (خوفاً من العقوبة) و”نَمون” على بلادنا بالْمُخالفات؟
الطوفانات الأخيرة، إنصافاً، لَم تفضح تقصير الدولة بل فضحت، في شقٍّ منها كبير، مُخالفات الْمواطنين: الذين رموا قُماماتِهم في مصارف الْمياه، والذين رموا زبائلهم على شاطئ البحر حتى سدّت الْمجاري، والذين رموا كساسير بضائعهم ونفاياتِهم في الزوايا والزواريب ومَجاري الأنْهر، والذين سدوا طوابقهم السفلى والتحْأَرضية فجعلوها شققاً ومَحلات ومستودعات غير مهيَّأة للطوارئ، والذين مارسوا حتى شبعوا وقاحة في مُخالفات البناء حتى باتت مُخالفاتُهم خطراً على السلامة العامة، والذين جعلوا الأماكن العامة وأفواه الوديان وسفوح الْجبال والتلال مكبّات للزبالة والنفايات الصناعية والزراعية، والذين يرمون زبائلهم (وأخلاقهم الْمَدَنيَّة) من نوافذ السيارات حتى يَجعلوا الشوارع مزابل وأكوام نفايات، والذين يَحتمون بديناصورات “بيت بو سياسة” ليمارسوا التعليق على خطوط الكهرباء ويزاولوا تِجارتَهم في أكواخ مُخالفة وأكشاك مُخالفة ودكاكين مبنية مُخالفة والْمقاهي على ضفاف البحر والأنْهر، أو على أرض الدولة وأملاكِها (عدا وقاحة التعدّي على الأملاك البحرية) معتبرين الدولة “حيطها واطي” وليس من يُحاسب، وإذ حاسبَتْ هرعوا الى زعمائهم يَحتمون بِهم عَشائرياً ومَزارعياً وقَبائلياً فتتمُّ “تسوية الأمور” على حساب الدولة، ثُم تطوف الأنْهار وتَجرف مُخالفاتِهم فيطرحون الصوت على الدولة ويتَّهمونَها بالتقصير في حين أنّها تتحمّل مُخالفات مواطنين يفتقدون الى أبسط قواعد وسلوكيّات وأخلاقيّات الْحس الْمدني.
مرةً أُخرى: لا دفاعاً عن الدولة وتقصيرها، بل تشديداً على تقصير مواطنين يفتقدون الى أخلاق الْمواطنية، فيعتبرون الدولةَ ضدَّهم وينتقمون منها بالْمُخالفات، خالطين بين الدولة التي تَحميهم، والسلطة التي تَحكمهم! وبين هذه وتلك، تفضح الطبيعة تقصير موظفين (في البلديات أو الْمؤسسات أو الْمحافظات أو القائمقاميات أو الدوائر أو الوزارات) لَم يقوموا بواجباتِهم راهناً أو استباقياً، وتفضح – خاصة تفضح – تقصير مواطنين ما زالوا يعتبرون أن الدولة ليست هُم، وليست لَهم، وليست مِنهم، كأنّها لسواهُم أو كأنّهم يعيشون فيها لاجئين أو مؤقَّتين أو بالإيْجار.