هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

273: أنا “ألبي” دليلي

الاثنين 7 تشرين الأول 2002
– 273 –
ما كنتُ أنْوي للأسبوع الثالث كتابة حلقة ثالثة (بعد اثنتين: “أزرار” 271 و”أزرار” 272) عن الْحرف العربي الذي اكتمل به البحث في موضوع مُحدَّد من أجله كان الْمقالان الْماضيان. غير أن لافتة كبيرة على ناصية الطريق طالعتْني قبل أيام وفيها إعلانٌ لأحد الْمغنّين الشباب حول أسطوانة له جديدة تَحمل في عنوانِها كلمة “أَلْـبِـي” (كذا، والْمقصود “قلبِي”) فأعادني هذا العهر في التعامل مع الْحرف العربي الى مقال سابق (“أزرار” 194- “النَهار” 22/3/2001 “) حول كتابة الإعلانات بالعامية بدل الفصحى.
لا ضير في كتابة الإعلانات بالعامية، فهي أقرب الى الأفهام والأذهان والْحفظ. غير أن كتابة العامية بالْحرف العربي تقتضي احترام هذا الْحرف صوتاً (من حيث الفونيم) وصورة (من حيث تأْدية الفونيم صورة هذا الْحرف كما هي مألوفة في فصحاه). من هنا ضرورة كتابة “تلميذ” (بالذال) لأن كتابتها بالزاي (“تلميز”) تؤذي العين التي اعتادت ان تراها بالذال، ولو ان الكثيرين يلفظونَها، تكلُّماً، بالزاي (تلميز). وكذا الأمر بالنسبة لـ”ثورة” (ولو ان البعض يلفظونَها، تكلُّماً، بالسين). أما مبدأ “أكتب كما ألفظ” فبدعة خاطئة فيها امتهان لصورة الْحرف الذي اعتادته العين مكتوباً بصيغته الأَصلية الْمتعارف عليها ولا يُمكن أن ترضاه بصيغته الْمعدّلة وفق اللفظ (“سآفِي” بدل “ثقافة”).
ثُم … من قال إن اللفظ (بِمعنى نطق الْحرف) في هذه الْمنطقة هو نفسه في منطقة أخرى فنلغيها من حسابنا في قراءة النص؟ ومن قال إن الْحرف الْمكتوب (القاف، الذال، الثاء،…) يكون لفظه (أي نطقه) في كل مكان مغايراً لصورته (أي: “أ” بدل “القاف”، و”زاي” بدل “الذال”، و”سين” بدل “الثاء”،…)؟
“أَلْبِي” بدل “قلبي”؟ ما هذه الْهرطقة البشعة؟ وكيف أطلب من إملي نصرالله وسلام الراسي والوزير غازي العريضي أن يقولوا “أَلْـبـي” (بالألِف) بدل “قلـبـي” (بالقاف) حين هم أصلاً يتكلمون بالقاف في حياتِهم اليومية ولغتهم العامية، وليس فقط حين يكتبون ويَخطبون؟
في مكاتب الإعلانات الْمحترِفة أَشخاص متخصصون بكتابة الإعلانات، بارعون في إيْجاد عبارة مسجَّعة أو ذكية أو طريفة، يسهل معها حفظ شعار الإعلان أو صنفه أو مدلوله. وإذا كان كاتب إعلان “أَلْـبـي” (بدل “قلبي”) غبياً أو جاهلاً أو أرعن، فهل يَجوز لصاحب شركة الإعلانات أن يتغاضى عن طيش كهذا يؤذي عين القراء بِما لا يقل أذى عن إعلان يتوسل عري الْمرأة؟
صحيح أن في بعض اللغات حروفاً نكتبها ولا نلفظها (ككلمة laugh الإنكليزية التي نلفظها بالفاء وليس فيها حرف فاء، أو كلمة perdrix الفرنسية التي لا نلفظ حرفها الأخير) لكن هذه قاعدة لغوية للجميع. أما أن نرتَجل رعونة كتابة الْحرف كما تلفظها جَماعة “العبقري” كاتب الإعلانات، مسقطاً من حسابه فئة كبيرة تلفظ الْحرف كما تكتبه، فهذا من الفلتان العاهر الْجاهل الأُمّيّ الذي يُحاصرنا اليوم في كل حقل، والذي ناره أخطر علينا من كبريت سدوم.